يتضح من الرسوم البيانية المرفقة أن المناخ وإن تميز عامة بسيادة النمط القطبي فيما يختص بكمية المطر القليلة الساقطة سنويا، إلا أنه يختلف من مكان إلى آخر بالنسبة لنمط الحرارة السنوية ، ويرتبط ذلك ارتباطا وثيقا بموقع المكان وخصائص هذا الموقع المحلية، بالإضافة إلى خصائصه العامة.
ويمكن أن نتبين من محطات الرصد المختلفة عدة أنماط حرارية في الإقليم القطبي السوفيتي، ويلاحظ أن الحرارة بالذات هي عامل مؤثر في اختلاف مناخ منطقة عن أخرى؛ لأن أي تغير، ولو طفيف في هذه المنطقة التي تتميز بمتوسط حراري منخفض جدا طوال العام، يكون له آثار بعيدة المدى على أيكولوجية الحياة النباتية والحيوانية، ويترتب عليها مؤشرات هامة أمام التخطيط السوفيتي من أجل إقامة قواعد ثابتة للحياة في هذه الأقاليم المتطرفة، مبنية على الزراعة المحلية والرعي الحديث.
وأول ما يمكننا تمييزه من الرسوم البيانية أن هناك تقسيما عاما للنطاق إلى منطقتين رئيسيتين، هما النطاق الساحلي الذي يتأثر بالبحر حتى ولو كان ذلك المحيط الشمالي البارد، والنطاق الداخلي حتى ولو كان ذلك لا يبعد كثيرا عن البحر.
وفي هذين القسمين الرئيسيين نلاحظ أن المدى الحراري السنوي يختلف اختلافا كبيرا، ففي المناطق الساحلية لا يزيد المدى الحراري عن 25 درجة مئوية، بينما يرتفع هذا المدى إلى أقصاه في المناطق الداخلية بمتوسط قدره 50 درجة مئوية؛ أي ضعف المدى في المناطق الساحلية.
والملاحظة الثانية أن النطاق الساحلي لا تنخفض فيه درجات حرارة الشتاء عن 20-25 درجة مئوية تحت الصفر كحد أدنى، بينما تنخفض الحرارة الشتوية إلى ما تحت 45 مئوية تحت الصفر في المناطق الداخلية، والملاحظة الثالثة أنه بالمثل لا ترتفع درجات حرارة الصيف في النطاق الساحلي عن متوسط 5-10 درجات فوق الصفر، بينما ترتفع درجات حرارة الصيف في المناطق الداخلية إلى متوسط عشر درجات مئوية فوق الصفر، وأخيرا نلاحظ أن الصيف أطول في المناطق الداخلية منه في المناطق الساحلية، مما قد يؤدي إلى ظهور مشكلة الجفاف الصيفي بوضوح، وهو على غير ما تشتهي خطط إقامة الزراعة الصيفية في هذه المناطق.
وفي داخل المنطقة الساحلية يمكننا أن نميز مناطق مختلفة نتيجة التأثر بتيارات المياه والهواء الدافئة الجنوبية، ومن ثم فإن ساحل الباسيفيك أدفأ من الساحل السيبيري الشمالي، وبالمثل فإن مناطق بارتنس أدفأ هي الأخرى، وذلك بتأثير تيار الأطلنطي الشمالي الدافئ الذي ينتهي في هذا البحر. (2) الحياة في الشمال الأقصى
إن كلمة «الحياة» في هذا المجال تحمل كل التناقضات التي توجد في أية بقعة من بقاع العالم؛ فإن ظروف المناخ القاسية وحالات التربة تجعل الحياة شديدة القسوة، ما لم تكن مستحيلة، وبرغم ذلك فإن جماعة من الناس قد طوروا طريقة للحياة منذ فترة طويلة، وطريقة الحياة السلفية هذه أيضا قد أصبحت مهددة بالتغير والانتهاء بسبب دخول الحياة الحديثة إلى المنطقة.
وثنائية الحياة في النطاق الشمالي الأقصى من الاتحاد السوفيتي تقوم على الجماعات الأصلية والوافدين الجدد من الروس وغيرهم، وتتكون الجماعات الأصلية من عدة مجموعات قبلية لغوية أهمها التنجوس والسامويد والأوزتياك والياكوت واليوكاجير والتشكشي والكامتشادال، أما الوافدون الروس فيتركزون حول المدن والمراكز العمرانية الجديدة، عند مصبات الأنهار الشمالية غالبا على الطريق البحري الشمالي، وقد أدخلوا معهم طرقا حديثة للحياة من النواحي الاجتماعية والسكنية ووسائل وتكنولوجيات جديدة في استغلال الموارد الاقتصادية، وفي مكافحة العناصر الطبيعية المعادية للسكن البشري. (2-1) المستوطنون الروس
شكل رقم (4): أنماط الحرارة في الإقليم القطبي السوفيتي: 1-12 = الأشهر. (1) محطة أركانجلسك (نمط حراري بحري داخلي). (2) محطة كارماكولي (نمط حراري قطبي محيطي). (3) محطة أولين (نمط حراري باسيفيكي). (4) محطة ديكسون (نمط حراري بحري). (5) محطة بتروبافلوتسك (نمط طري باسيفيكي دافئ). (6) محطة أوست بورت (نمط حراري قاري معدل). (7) محطة ياكوتسك (نمط حراري قاري متطرف). (8) محطة فرخويانسك (نمط حراري قاري شديد التطرف).
أما الوافدون من الروس على الساحل القطبي فيكونون في الواقع تجمعات مركزة حول المدن الجديدة الموجودة على الساحل، وهذه المدن تكاد تنعزل تماما عن العالم الخارجي معظم الأشهر التسعة التي يشملها الشتاء، وتصبح أجهزة الراديو هي الوسيلة الرئيسية للاتصال بالعالم، أما أشهر الصيف فتصبح فرصة ذهبية للتنقل والسفر والاتصال الفعلي، والواقع أن إقامة هذه المدن الصغيرة قد استدعت تكلفة باهظة وتكنولوجية عالية كفأة من أجل إنشاء مزارع صغيرة حول هذه المدن لإمدادها بالمواد الغذائية.
ناپیژندل شوی مخ