ويلعب الأسطول التجاري الدنماركي دورا هاما وحيويا بالنسبة للحياة الاقتصادية للدولة، وهو فضلا عن كبر حمولته بالقياس إلى حجم الدولة، فإنه أسطول حديث يستخدم المحركات - الموتورات - في الدفع، فإلى جانب أهمية النقل البحري بالنسبة للدنمارك - بطبيعتها الجزرية - فإن الأسطول الدنماركي منتشر فوق معظم مياه المحيطات ويزور أكثر بلاد العالم ما عدا الهند ومعظم أفريقيا جنوب خط الاستواء، ومعظم القواعد البحرية للأسطول التجاري توجد في المنطقة الشرقية من جتلند وبعض جزر الأرخبيل الدنماركي وخاصة زيلاند، وذلك لأن السواحل الغربية ليست مهيأة كمرافئ أو موانئ جيدة نظرا لطبيعة التكوين الساحلي.
ونظرا لنقص الثروة المعدنية في الدنمارك فإن الصناعات الكيميائية الموجودة حاليا تعاني من عقبة كبيرة، فإن احتياجات الدنمارك الكبيرة من الأسمدة المعدنية تؤدي إلى استيراد خام الفوسفات من شمال أفريقيا بكميات كبيرة، وفي جرينلاند يوجد منجم لخام الكريولايت الذي قامت عليه صناعة تنقية وتكرير في كوبنهاجن تنتج معدنا درجة نقاوته 99,7٪ وهو يستخدم في صهر الألمونيوم، ووضع طبقة من الميناء على الحديد والصلب، وفي عمل الزجاج الذي يقترب لونه من لون اللبن، وتستهلك صناعة الألومنيوم ثلاثة أخماس الكريولايت المنتج، بينما يبلغ نصيب ميناء الحديد والصلب قرابة الثلث والباقي يستخدم في صناعة الزجاج المشار إليها.
والطباشير هو أهم منتج معدني في الدنمارك، ويستخدم في صناعة الطوب وفي عمل الأسمنت وصناعة الجير، وكذلك يستخدم الصوان - الذي يحفر بواسطة الحفارات الكبيرة من مناطق المستنقعات والتربات الرطبة، ويستخدم عدة آلاف الأطنان منه في عمل الصيني، كما يستخدم أيضا في المطاحن؛ لأن المطاحن الفولاذية تضيف بعض الشوائب إلى الطحين، ولقد كان لوجود الحجر الجيري، إلى جانب بعض الطين الذي يعود إلى العصر الجليدي أثر واضح في نشأة صناعة كبيرة لعمل الأسمنت والطوب الأسمنتي الرملي، ولكن نقص الوقود والاحتياج إلى استيراده يرفع تكلفة الإنتاج بدرجة محسوسة، وفي جزيرة بورنهولم الدنماركية - في البلطيق - تكوينات جرانيتية تستخدم أيضا في البناء أو تصدر إلى ألمانيا، ومنذ عام 1794 بدأت النهضة الزراعية تسيطر على شبه جزيرة جتلند، وقد أدى ذلك إلى إعداد الأرض للزراعة، وكان أهم عائق هو وجود الكثير من الأحجار داخل التكوين الطيني، وقد أزيلت هذه الأحجار واستخدمت في صورة جدران لتحديد الحقول والملكيات الزراعية، وفي الربع الثاني من هذا القرن أزيلت هذه الجدران الحجرية واستخدمت لعمل طرق مكدامية حديثة في ريف جتلند، فجاء ذلك مرتبطا بنهضة الزراعة ودخول السيارات إلى مجال النقل الحديث للمنتجات الزراعية وإيصالها إلى مراكز الصناعات الزراعية، ولكن هذه الأحجار لم تسد الاحتياج، وفي عام 1931 نقلت من جزيرة بورنهولم كميات من الحجارة بلغت 110 آلاف طن لإكمال شبكة الطرق في جتلند والجزر الأخرى، كما استورد في العام نفسه حوالي مائة ألف طن أخرى من السويد للغرض نفسه، ويدل هذا على مدى النقص المعدني في تركيب الدنمارك الجيولوجي حتى فيما يختص بالأحجار! (7) صيد الأسماك
إن تكوين الدنمارك الجزري يجعلها من الدول القليلة المحظوظة بطول السواحل، وذلك أن هناك ميلا واحدا من أطول الشواطئ لكل خمسة أميال مربعة وثلاثة أرباع الميل من مساحة الدولة، ويضاف إلى ذلك أن البحار المحيطة في مجموعها هي مياه ضحلة غنية بالموارد السمكية، ومن ثم، فلا عجب أن يكون الدنماركيون شعبا من السماكين، وتقوم السماكة الدنماركية على أساس تسويق الأسماك طازجة للاستهلاك المباشر، ولكن جزءا من الصيد - يقدر بحوالي الخمس - يصنع ويعلب، لكن هذه الصناعة قد أخذت مؤخرا تسلك نفس الاتجاه العالمي: إعداد الأسماك وتجميدها بدلا من تعليبها - وذلك مرتبط أشد الارتباط بتغير الذوق الغذائي عند الشعوب عامة، والشعوب المتقدمة على وجه خاص ، التي أصبحت تفضل الطعام الطازج أو أقرب الأشكال إليه، وهو المجمد، بينما المعلب لم يعد سلعة رائجة إلا في الأسواق البعيدة التي لا تحتمل النقل مجمدا، أو أسواق الفقراء، وفي نفس الاتجاه أخذ سوق الأسماك المملحة ينكمش ويهبط بسرعة، وتقوم صناعة الأسماك الحديثة في الدنمارك بإعداد سمك الباكلاه - القد - في شرائح مجمدة مطهية أو معدة للطهو، وكذلك في صورة أقراص - كفتة، وإلى جانب ذلك أيضا تعد شرائح من الرنجة والماكاريل وغير ذلك بصورة مجمدة، بالإضافة إلى تعليب السردين، وقد بلغ إنتاج الأسماك 1,5 مليون طن عام 1968. (8) التجارة الخارجية للدنمارك
بدأت التجارة في الدنمارك منذ فترة طويلة تؤرخ بعصر ائتلاف مدن الهانزا التجارية، وحينما سقط هذا الائتلاف التجاري في القرن السادس عشر كان لموقع كوبنهاجن على مضيق السوند أثر واضح في نمو قبضة هذه المدينة على تجارة منطقة بحر البلطيق، وكان التجار الدنماركيون يجوبون البلطيق محتكرين تجارته لفترة طويلة مما أدى إلى نمو الثروة والرخاء حتى جاءت فترة توسع نابليون في أوروبا، وقد أدت الحروب النابليونية إلى تدمير الأسطول التجاري الدنماركي، ولكن التجارة عادت إلى النمو ابتداء من منتصف القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ أخذت التجارة الدنماركية طابعا ما زال حتى الآن يمثل النمط الدنماركي في التجارة: وهو تصدير المنتجات الحيوانية - ألبان ومنتجاتها واللحوم والجلود - والمنتجات الزراعية، وبعض الآلات، أما الاستيراد فيدور حول الخامات اللازمة للزراعة والغذاء الحيواني والمخصبات الزراعية، بالإضافة إلى الوقود - الفحم والبترول - والمعادن.
ولقد تناقصت الروابط التجارية مع ألمانيا في أوائل هذا القرن، وبتأثير الأزمات الاقتصادية العالمية فيما بين الحربين العالميتين اضطرت الدنمارك إلى عقد اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، ومن بين هذه الاتفاقات ذلك الاتفاق الذي عقد مع بريطانيا وبمقتضاه منحت الدنمارك امتياز توريد 62٪ من لحم الخنزير و38٪ من البيض من مجموع احتياجات بريطانيا، بالإضافة إلى نسبة لا بأس بها من الزبدة، وفي مقابل ذلك أعطى لبريطانيا امتياز تصدير أربعة أخماس الاحتياجات الدنماركية من الفحم.
وبرغم الموارد الدنماركية المحدودة فإن لهذه الدولة نشاطا تجاريا أكبر من مساحتها وعدد سكانها، ويدل ذلك على مدى التنظيم الاقتصادي الممتاز وعلى نشاط الشعب والتخطيط، فللدنمارك الآن علاقات تجارية وثيقة بعدد كبير من الدول، وخاصة مع جيرانها بريطانيا وألمانيا والسويد والنرويج، وبرغم أن الصادرات أقل من قيمة الواردات، وبالتالي فإن الميزان التجاري ليس في مصلحة الدنمارك، إلا أن هذا النقص في الميدان التجاري يعوضه النشاط الكبير للأسطول التجاري الدنماركي وأرباحه الكثيرة، بالإضافة إلى الفوائد السنوية التي تعود إلى الدنمارك نتيجة لقروضها ورأسمالها في الخارج.
فلكي تقوم الصناعة المعدنية في الدنمارك يجب أن تستمر واردات الفحم والحديد والصلب، وتقوم مبيعات صناعة الآلات الدنماركية، ومبيعات ترسانة السفن الدنماركية، بتغطية أكثر من نصف قيمة هذه الواردات، ونظرا لصغر مساحة الأراضي الزراعية وقلة محاصيل الغذاء الحيواني فإن الدنمارك تستورد كميات كبيرة من الخامات الزراعية والأغذية الحيوانية والزيوت، كذلك تستورد الدولة الكثير من الحبوب الغذائية اللازمة للغذاء البشري، أما الصادرات الدنماركية فلا تزال السلع والمنتجات الزراعية تتصدرها، إلى جانب السفن والأسمنت والآلات.
الفصل الرابع
السويد
ناپیژندل شوی مخ