قال «أندروكليس»: أخطأت يا صديقي! سأخاف قيصر طول النهار، فلآمنه أثناء الليل. وإنما أدعوكما إلى «دينوزوس» لأننا قد عدونا عليه، وجرنا عن طريقه! فنحن مدينون له بالليل كله، وقد صرفنا عنه بعض هذا الليل إلى قيصر، فلنحذر أن ينكر ذلك من أمرنا، فيسخط علينا إله الليل «دينوزوس»، وإله النهار قيصر.
وكان الصديقان قد أفرغا قدحيهما، فنهض «أندروكليس» نشيطا مرحا فملأ الأقداح الثلاثة، وقال لحاكم المدينة: أتريد أن تدعو إماءك أم تأذن لي في أن آتي هذه الحركة التي تأتيها فيستجيب لك الخدم؟ إنما هي يد تضرب يدا فيصل الصوت إلى من ندعو.
قال «كلكراتيس»: مهلا! فإني في حاجة إلى لحظات أخلو إليكما فيها، فما أحب أن نفترق وأنا أطوي عنكما بعض الأمر.
قال حاكم المدينة: وما ذاك؟
قال «كلكراتيس»: ذاك أني لا أرى رأيكما، ولا أعرف لقيصر سلطانا على قلبي، ولا أحب أن أعبد إلها لا أعرفه، ولا أريد أن أضيف إلى آلهتي إلها جديدا! لأنهم يكفونني ويغنونني من كل إله. والآن فادع إماءك إن شئت، ولنعبد «دينوزوس» على ما بيننا من اختلاف الرأي: أخلص له ولأصحابه من أهل الأولمب، وتشركون معهم إلها جديدا أو إلهين جديدين.
قال حاكم المدينة: فإن هذا لا يحل المشكلة، ولا ينتهي بنا إلى غاية نرضاها.
قال «كلكراتيس»: سنستأنف الحديث في ذلك إذا كان الغد، فدعني أفكر، وادع إماءك وندماءك! فقد جرنا وأسرفنا في الجور على «دينوزوس».
ودق حاكم المدينة يدا بيد، فما هي إلا لحظات حتى فتحت الأبواب، وانفرجت الأستار، وأقبل الجواري حسانا صباحا يحملن فنون الزهر، وألوان الفاكهة، ويتهيأن للرقص والغناء.
2
ولم يجلس «كلكراتيس» لأصدقائه من الغد كما تعود أن يفعل وجه النهار من كل يوم، ولم يفرغ لذلك العبد الذي جعله على ثروته وخزائن ماله، ولا لهذا العبد الذي وكل إليه تدبير القصر وأمر الخدم والرقيق، كما تعود أن يفعل آخر النهار من كل يوم! بل لم يستطع عماله وأصحاب تجارته الواسعة أن يرفعوا إليه شيئا من أمرهم كما تعودوا أن يفعلوا كلما تولى النهار؛ لأنه احتجب ذلك اليوم منذ رجع من قصر الحاكم قبل أن يسفر الصبح بقليل. أوى إلى مضجعه فاستوفى حظه من راحة هادئة ونوم مطمئن، ثم نهض مع الظهر فأدى لجسمه الذي تعود أن يؤديه له من العناية والرياضة، ثم خلا إلى نفسه يفكر فيما كان بينه وبين صديقيه من حديث، ويدير رأيه فيما عسى أن يتخذ من سيرة ويسلك من طريق. وكان صادقا كل الصدق مصمما كل التصميم حين أعلن إلى صديقيه في لهجة الحازم العازم أنه يأبى أن يقسم حياته بين قيصر وبين ضميره، وأن يظهر لقيصر ما يرضيه من الإيمان بالدين القائم، ويخفي في نفسه ما يرضيها من الإخلاص للدين الوثني القديم. وكان يعلم حق العلم، أن صديقه الحاكم لا يتقدم إليه في مصانعة قيصر وموادعة السلطان إلا مؤثرا له بالخير، مشفقا عليه من الشر. ولعل صديقه الحاكم كان يحتاط لنفسه بعض الشيء حين كان ينصح بالمصانعة والموادعة. ولكن أي غرابة في هذا وصديقه إنسان فيه ضعف الناس وقوتهم، وفيه أثرة الناس وإيثارهم؟!
ناپیژندل شوی مخ