2
وهنا يعود الرجل إلى استعباره، ولكنه في هذه المرة لا يبكي وحده وإنما يبكي معه من حوله من الناس. ويقول راهب من رهبانهم: «ما هذا بكلام رجل كالرجال.» ثم يسأل الشيخ أن أمضي في حديثي، فأقول: لقد انتهيت منه أو كدت أنتهي. فقد عاد نبينا إلى بيته محزونا جلدا، وانكسفت الشمس في ذلك اليوم، فيتحدث الناس بالمعجزة، ويقول بعضهم لبعض: «إنما انكسفت الشمس حزنا لموت إبراهيم ابن النبي.» وينتهي حديث الناس إلى نبينا، فيخرج ساعيا حتى يأتي المنبر، فيرقاه ويحمد الله ويثني عليه فيقول: «أما بعد أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى المساجد.»
3
وأقف بحديثي عند هذه الغاية وأنظر، فإذا من حولي في صمت عميق تنحدر على وجوههم دموع هادئة لا تمثل حزنا ولا جزعا، وإنما تصور قلوبا لينة رحيمة، ونفوسا قد كشف عنها الغطاء، وإذا الشيخ ينهض من مجلسه رزينا ويسعى إلي هادئا وهو يقول: «ابسط يدك، فما أرى إلا أن نبيك قد جاء بالهدى.» وما أكاد أتلقى منه إسلامه حتى يكون الرهبان والقسيسون الذين حضروا المجلس أسرع الناس إلي، كلهم يعلن إسلامه، ويتبعهم من حضرنا من عامة الناس. وما أبرح القرية من الغد حتى يكون أهلها جميعا قد ساروا سيرة عظيمهم وقسيسيهم ومن وفد عليهم من القرى المجاورة، وحتى يكون بيت مالك أيها الأمير قد رزئ فيما رزئ فيه من الجزية.
قال الأمير بعد صمت طويل: «فهل تعلم أن لهذا الحديث وجها آخر من الإعجاز؟» قال حنظلة: «وما ذاك؟» قال الأمير: «قد سمعت من كان يتحدث في الشام عن موت إبراهيم ابن رسول الله ويقول: إن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال: «لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي.»
4
فإنك يا حنظلة قد أحييت ذكرى إبراهيم في هذه القرية فوضعت الجزية عن أهلها.»
ناپیژندل شوی مخ