په سرحدي کي د سيرت په اړه

طه حسين d. 1392 AH
181

په سرحدي کي د سيرت په اړه

على هامش السيرة

ژانرونه

قال الحارث: «وماذا تريد أن أصنع؟ لقد جاهدت محمدا ما وسعني جهاده، وحاربته ما وجدت إلى حربه سبيلا. ولقد ذقت في هذه الحرب مرارة الهزيمة وحلاوة النصر. ولقد طاولته كما طاولته قريش، وعاجلته كما عاجلته قريش؛ فقد أبت الأحداث إلا أن يظهر محمد على قومه، وأبت الأحداث إلا أن يدخلها علينا محمد عنوة، وقد حلنا بينه وبين ذلك منذ أعوام، فلم ينفعنا ما قدمنا إليه من عنف، ولم يغن عنا ما أظهرنا له من بأس. وها هو ذا يدخلها علينا لا عنيفا بنا ولا مشتطا علينا، لا يجزينا من بأسنا بالبأس، ولا يلقانا بمثل ما لقيناه به من الصلف والخال.

1

ولكني لم أعرف الناضرة هذه التي تطلبها، ولا أعلم فيم حبستها وأثقلتها بالأغلال، ولا أفهم فيم سؤالك عنها وإلحاحك في هذا السؤال، وفيم تكريمك لها بعد أن أرهقتها بالعذاب!»

قال صفوان: «فإنك ستعلم من هذا كله ما جهلت.»

وأقبل القيم يدفع أمامه في رفق فتاة قصيرة الخطو، تتقدم في كثير من التردد والامتناع، في وجهها جمال لا تبلغه العين حين يصل إلى القلب فيحدث فيه أثرا عميقا. ولكنها تتقدم مترددة ممتنعة، قد ملكها الخوف والإشفاق، وكأن ما لقيت من السجن والعذاب قد آذى منها قلبا كريما ، وأهان منها نفسا عزيزة، وإن لم يؤمن ساجنوها ومعذبوها لها بكرم القلب وعزة النفس. ومتى آمن السادة الأحرار بالكرم والعزة للرقيق المستذل! وكان وجه الفتاة يبين عما يملأ قلبها من خوف كما كان يبين عما يؤذي نفسها من هذا الشعور بالإهانة، ولكنه كان يبين في الوقت نفسه عن شيء يشبه الرضا والإذعان وعن شيء يشبه العفو والمغفرة. كان هذا كله يقرأ في ذلك الوجه الجميل المشرق، وفي تلك اللحظات الوادعة الهادئة.

فلما رآها الحارث مال إلى صاحبه وهو يقول: «ما رأيت أنضر من هذا الوجه!» قال صفوان: «وما عرفت أكرم من هذه النفس.»

ثم نظر إلى الفتاة في رفق عظيم وهو يقول: «أقبلي يا بنتي فليس عليك بأس! أقبلي لا تراعي فأنت آمنة منذ اليوم. لقد آذيناك وشققنا عليك، ولكنا سنصلح ما قدمنا إليك من مساءة. أقبلي وخذي مجلسك كما تعودت أن تجلسي، وغنيني ذلك الصوت الذي كان مصدر ما لقيت من الأذى، والذي سيكون مصدر ما تلقين من النعيم.»

ولكن الفتاة لبثت قائمة واجمة كأنها لا تسمع، أو كأنها لا تفهم، أو كأنها لا تصدق ما كان يساق إليها من الحديث.

قال صفوان: «أقبلي يا بنتي واسمعي لما يقال لك، وأنزليه من نفسك منزل الحق؛ فأنت حرة بعد أن تغنيني ذلك الصوت، وأنت مطلقة تذهبين حيث تشائين، وتستقبلين من أمرك ما تريدين، ولك علي ألا تتعرضي لحاجة، وأن تكفي غوائل الدهر. اجلسي يا بنتي كما تعودت أن تجلسي، وغني يا بنتي كما تعودت أن تغني.»

ثم التفت إلى قيم الدار وقال في صوت حازم: «الخمر والأقداح يا غلام!»

ناپیژندل شوی مخ