په سرحدي کي د سيرت په اړه

طه حسين d. 1392 AH
153

په سرحدي کي د سيرت په اړه

على هامش السيرة

ژانرونه

ولم ينكب أبو جهل في تلك الأعوام بمثل نكبته في ابن أخته حنتمة بنت هشام؛ فقد كان عمر بن الخطاب فتى أروع من فتيان قريش، فيه شدة لم تعرف قريش مثلها إلا في خاله عمرو، وكان يمالئ خاله ممالأة شديدة، فيغري بالمسلمين ويشتد عليهم، حتى خرج ذات يوم متوشحا سيفه يريد أن يبطش بمحمد نفسه؛ ولكنه يعلم في طريقه إلى محمد أن الإسلام قد دخل داره، وأن أخته قد أسلمت، فيعدل إلى أخته فيبطش بها حتى يسيل الدم من وجهها؛ ثم تأخذه الرحمة فيرق لأخته ويلطف لها حتى تقرئه بعض ما كان يتلى عندها من القرآن. فلا يكاد يقرؤه حتى يدخل الإيمان في قلبه، وإذا هو يسعى إلى محمد فيسلم، ثم ينصرف إلى خاله فيطرق عليه بابه. فإذا رآه خاله رحب به ترحيب المحب لابن أخته الممالئ له على أعداء قريش. ولكن عمر ينبئ خاله بأنه قد جاء يعلن إليه أنه قد شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فيرده أبو جهل أقبح رد، ويضيق بما أصابه فيه أشد الضيق. وقد سبق النبأ بإسلام عمر إلى المسجد، فتعلم به أندية قريش فيروعها ما تعلم من ذلك. ويأتي عمر فينهض له القوم يساورونه ويساورهم ويقاتلونه ويقاتلهم، حتى صلى وصلى بعده المسلمون جهارا.

واشتد أمر المسلمين على قريش، واشتد أمر قريش على المسلمين، حتى أذن النبي لأصحابه في الهجرة، فهاجر فريق منهم إلى أرض الحبشة حيث استطاعوا أن يعبدوا الله أحرارا، وأقام الآخرون يدعون إلى الله بين أظهر قريش يلقون في ذلك من الشدة والعنت ما يلقون. وخلا أبو جهل إلى صديقه مرة ذات ليلة يتساقيان البغض والحسد لمحمد كما كانا يصنعان، ويستقصيان ما بلغت بهما خصومتهما لمحمد وأصحابه، فيقول أبو جهل لصاحبه: «أحلف باللات والعزى ما بلغنا من ابن عبد المطلب وأصحابه شيئا، نفتنهم في أنفسهم وأجسادهم وأموالهم فلا تزداد دعوتهم إلا انتشارا، ولا يزداد أمرهم إلا ظهورا. إن أتباع محمد ليكثرون بين أظهرنا؛ وهذا دينهم قد خرج من مكة فاستقر في أرض الحبشة، ووجد أصحاب محمد هنالك عزا ومنعة وجوارا.»

قال أبو مرة وهو يقدم القدح إلى عمرو: «اشرب أبا الحكم وريت بك زنادي! لقد أبليت في جهاد محمد أحسن البلاء ، ولكن قومك لا يبلغون من نصرك وتأييدك ما ينبغي أن يبلغوا. إنهم يخافون الحرب، ولو قد ثاروا بمحمد فقتلوه لكفوا أنفسهم شرا عظيما. ولكن أبا طالب يقوم دون محمد ومعه فتيان بني هاشم فتكره قريش أن تسفك دماؤها بأيديها. إنهم يبقون على محمد، وليأتين يوم يقتلهم فيه محمد تقتيلا إلا أن يسبقوا إليه بالموت.»

وغدا أبو جهل على قومه ثائرا ثورة لم يعرفوا منه مثلها، حتى أحفظهم وكاد يستخف أحلامهم ويخرجهم عن أطوارهم، لولا أن قالت مشيخة قريش: «على رسلكم أيها الناس! لا تعجلوا على قومكم حتى تعذروا فيهم. لنسعين إلى أبي طالب فنسمع منه ونقول له، لعله أن يسلم إلينا ابن أخيه أو أن يكفه عنا؛ فإن لم نظفر منه بإحدى الخصلتين رأينا فيه وفي بني هاشم رأينا.»

قال أبو جهل: «يا للخزي! يا للعجز! أقسم باللات والعزى لتعودن من عند أبي طالب كما تذهبون إليه لم تأخذوا منه شيئا. ويلكم! اقتلوا محمدا وافجئوا بموته أبا طالب؛ فإنه إما أن يخاف كثرتكم وقوتكم فيقبل منكم ديته، وإما أن ينهض لحربكم فما أيسر ما تردونه وقومه إلى الصواب.»

ولكن شيوخ قريش لم يسمعوا له، ونهضوا فمشوا إلى أبي طالب ومشى معهم أبو جهل لا لشيء إلا ليشهد إخفاقهم فيما يسعون إليه. وقد انتهى القوم إلى أبي طالب، فقالوا له وسمعوا منه، وطلبوا إليه أن يدعوا محمدا فيكلموه ففعل. وجاء محمد فسمع منهم ولم يقبل مما عرضوا عليه شيئا. ثم دعاهم إلى الله، ووعدهم شرف الدنيا والآخرة إن صدقوه، وأنذرهم خزي الدنيا والآخرة إن كذبوه، وطلب إليهم أن يقولوها كلمة واحدة تدين لهم بها العرب والعجم.

قال أبو جهل: «ما هي؟ نقولها والله وعشرا أمثالها.» قال محمد: «تقولون لا إله إلا الله.» فتفرق القوم وهم يقولون: «أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب.» وانصرف أبو جهل ولم يشمت بقومه قط كما شمت بهم هذه المرة، فهو يستهزئ بذوي الأحلام والأسنان وأصحاب الرأي والمشورة، يقول: «ما رأيت كاليوم رجلا واحدا يرد الملأ من قريش خائبين مستخذين. فأما وقد بلغ بكم العجز ما أرى وانتهى بكم الجبن إلى ما ترونه فلأكفينكم محمدا؛ فإن أمر محمد لا يعالج بالقول والسفارة، ولا بالاحتجاج والجدال، وإنما يعالج بشيء واحد هو قتل محمد، ولأقتلنه من الغد بين أيديكم وأنتم ترون! ولأقتلنه وهو يصلي لإلهه هذا الذي يريد أن نعبده مكان آلهتنا. لآخذن حجرا ضخما ثقيلا فلأشدخن به رأسه إذا سجد، فإذا فرغت منه فقوموا دوني إن شئتم، أو أسلموني لبني عبد مناف إن خفتم الحرب.» يقول الملأ من قريش وقد أحفظهم ما رأوا وما سمعوا: «لا والله ما نسلمك لأحد أبدا.»

ثم غدت قريش إلى أنديتها لم يتخلف من أشرافها أحد لما شاع فيهم من وعيد أبي جهل. وغدا أبو جهل وقد أخذ حجرا ضخما ثقيلا، فجلس إلى قومه يتحدث وينتظر مقدم النبي. وأقبل رسول الله كعادته وطوف بالكعبة ثم قام يصلي، وقد جعل الكعبة بينه وبين الشام، وقام أبو جهل فاستدبره ومعه الحجر لا يكاد يحمله لثقله، حتى إذا سجد رسول الله دنا أبو جهل منه متباطئا، ولكنه لم يكد يبلغه حتى عاد منهزما وسقط الحجر من يده والنبي ساجد لم يرفع رأسه من السجود. وتضاحكت قريش حين رأت أبا جهل يعود مهزوما مدحورا قد ظهر في وجهه الخزي والانكسار. فلما رأى منهم ذلك قال: «ويلكم! قوموا إليه إن شئتم فاصنعوا به ما أردت أن أصنع، والله لتردن عنه كما رددت.»

قالوا: «وماذا ردك أبا الحكم؟» قال: «رأيت والله بينه وبيني فحلا ما رأيت مثل رأسه ولا مثل أنيابه قط. ولو أقدمت على ما كنت مقدما عليه لأكلني.» وأنبئ رسول الله بالخبر فقال باسما: «ذاك جبريل. ولو قد أقدم على ما كان يريد لأخذه.»

وخلا أبو جهل إلى صديقه أبي مرة حول زقهما ذاك؛ فقال أبو جهل لصاحبه في شيء من الخزي واللوم: «ما أراك أغنيت عني شيئا صباح اليوم. إنك لههنا تغريني وتحرضني وتيسر علي الأمر وتمنيني الأماني حتى إذا جد الجد نظرت فلم أجدك، وخليت بيني وبين الهزيمة والخزي، وأضحكت مني من كنت أستهزئ بهم من شباب قريش وشيوخها جميعا.»

ناپیژندل شوی مخ