قلت: «لا والله، لا أسألهم عن شيء بعد الذي لقيته منهم في أثناء الطريق.»
قال «نسطور» وهو يضحك: «والذي ستلقاه منهم في أثناء القفول. إن لصاحبك هذا لشخصين موكلين به يظللان عليه إذا اشتدت الهاجرة.»
قلت: «وتعلم ذلك؟»
قال: «لم أستكشفه يا بني، ولكني أجده عندنا في الكتب، وقد سمعته من أحبارنا ورهباننا. فارع سيدك، وأخلص له الحب، واصدق في العناية به؛ فإني لأود لو أن لي أن أقوم منه مقامك. ولكن لله حكمة بالغة، والله يدبر الأمر ويجريه كما يريد لا كما نريد.»
قلت: وقد كدت أطير فرحا: «لأسرعن إلى محمد فلأنبئنه بما تقول.»
قال وهو يضحك في شيء من الحزن الهادئ العميق: «حاول من ذلك ما شئت! فلن تستطيع، ولن يستطيع أحد أن يتحدث إلى محمد منه بشيء. إن الله يدبر الأمور ويجريها كما يريد لا كما نريد. ولن ينبئ محمدا بما كتب الله له من كرامة، وما خبأ له الغيب من عظائم الأمور أحد من الناس، وإنما الله وحده هو الذي ينبئه بذلك متى أراد وكيف أراد.»
وأنصرف عن «نسطور» يا سيدتي، وفي نفسي أن أتحدث إلى محمد بما رأيت وما سمعت على رغم ما زعم لي «نسطور» ولكني لا أكاد أبلغه حتى يتصل بينه وبيني حديث التجارة دون غيره من الأحاديث. ونمضي إلى السوق، وأخالف عن محمد حينا فأعود إلى الصومعة لأنظر إلى الشجرة فلا أرى شجرة ولا شيئا يشبه الشجر، وإنما أرى «نسطور» قائما أمام صومعته ينظر إلي ويضحك لي، ثم يتولى إلى صومعته وعلى وجهه بعض الكآبة والحزن. وأسرع إلى محمد فأبلغه في السوق، وإن بينه وبين أحد النصارى لخصومة واختلافا في بعض الأمر، والنصراني يسأل محمدا أن يقسم باللات والعزى، فإذا محمد يجيبه في صوت هادئ ما سمعت قط شيئا يشبهه عذوبة ولينا: «ما حلفت بهما قط، وإني لأمر بهما فأعرض عنهما.» فيقول النصراني له: «القول قولك.» ثم يتحول إلي فيهمس في أذني قائلا: «هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم.»
وقد علمت يا سيدتي ما أتاح الله لتجارتك من ربح، ولمالك من نماء.
وقد قفلنا إلى مكة فأرى من محمد في أثناء القفول ما رأيت في أثناء الشخوص. ولكني أنعم بذلك ولا أعجب له، وأكتم ذلك في نفسي، ولا أفضي به إلى أحد، وقد اطمأننت إلى عقلي، ووثقت بصوابي. حتى إذا بلغنا مر الظهران قلت لمحمد: تقدم فاسبقني إلى خديجة، فأنبئها بما أتاح الله لها من الخير على يديك! فإنها تعرف لك ذلك.»
ولم يقع في نفس خديجة قبل ذلك اليوم حديث موقع ذلك الحديث. ولم يحس قلب خديجة قبل ذلك اليوم سرورا مثل هذا السرور الذي تجده. ولم يشرق وجه خديجة قبل ذلك اليوم كهذا الإشراق الذي يشهده ميسرة فيمتلئ قلبه به إعجابا يوشك أن يكون فتونا.
ناپیژندل شوی مخ