مقدمة
1 - مصر في فجر التاريخ (...-3400ق.م)
2 - الدولة القديمة وعصر بناة الأهرام (3400ق.م-2160ق.م)
3 - عهد الإقطاع والهكسوس (2160ق.م-1580ق.م)
4 - إمبراطورية الفراعنة (1580ق.م-332ق.م)
5 - الإسكندر والبطالسة والرومان (332ق.م-640م)
6 - قائمة بأسماء بعض الكتب الهامة في الموضوع
مقدمة
1 - مصر في فجر التاريخ (...-3400ق.م)
2 - الدولة القديمة وعصر بناة الأهرام (3400ق.م-2160ق.م)
3 - عهد الإقطاع والهكسوس (2160ق.م-1580ق.م)
4 - إمبراطورية الفراعنة (1580ق.م-332ق.م)
5 - الإسكندر والبطالسة والرومان (332ق.م-640م)
6 - قائمة بأسماء بعض الكتب الهامة في الموضوع
على ضفاف النيل
على ضفاف النيل
في عصور الفراعنة
تأليف
محمد مبروك نافع
أيها المصريون ... إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية في الأرض ...
سعد زغلول
مقدمة
الماضي سجل حافل بالمفاخر والأخطاء، والأمم التي تجهل ماضيها لا تأمن العثرات في مستقبلها، لكنها من دراسة تاريخها تستخلص العبر من أخطائها الماضية، وتستمد الوحي من مجدها التليد.
من أجل ذلك أحاول في الصفحات التالية أن أرسم بالقلم السريع صورا، أستعرض بها حوادث التاريخ المصري القديم التي مثلت «على ضفاف النيل» في خلال سبعة آلاف من السنين.
وإني لأرجو أن أكون قد وفقت إلى وضع حجر في بناء الثقافة العتيد.
محمد مبروك نافع
هليوبوليس في ديسمبر سنة 1929
الفصل الأول
مصر في فجر التاريخ (...-3400ق.م)
في ظلمات القرون الغابرة
أرجع البصر إلى الوراء بضع عشرات من آلاف السنين، وتعال معي نجول جولة سريعة في أنحاء العالم.
انظر، ها هي أمريكا النائية لا تجد للإنسان فيها أثرا.
وها هي آسيا، ماذا ترى؟ أناسا عرايا يروحون ويجيئون يبحثون عما يأكلون من أعشاب وثمار وجذور، أو يصطادون الحيوانات ليأكلوا لحومها نيئة.
وتلك هي أوروبا، هل ترى كيف يغطي الجليد سطحها؟ انظر! تلك المساحات الهائلة من الجليد تتحرك ببطء إلى الجنوب، إنها تقصف الأشجار الضخمة، وتحطم الصخور العظيمة، وتكتسح أمامها آلاف العالمين.
تعال معي الآن إلى أفريقيا، ها هو ذا نهر النيل، إنه ينساب من الجنوب إلى البحر، حيث تذوب كتل الثلج الأوروبية الهائلة فلا تصل إلى مصر. إنه ينحت طريقه وسط الهضاب. إنه يلقي رواسبه على الجانبين. انظر إلى هذه الهضاب التي تحف الوادي، هل ترى سكانها كيف يصطادون الحيوانات، ويجرون وراءها في كل ناحية؟! ها هم قد وصلوا إلى الوادي وهبطوا إليه. لقد وجدوا في الوادي حيوانات صيد بديعة. لقد استقروا في الوادي وآثروا البقاء فيه. إن ورودهم يزداد على مر الأعوام.
أتدري من هم أولئك الصيادون الذين انتقلوا من الهضاب؟ إنهم أجدادنا معاشر المصريين. أما حكايتهم فسنرويها لك في الصفحات التالية، في خلال سبعة الآلاف سنة الماضية، فهي أقدم وأطول وأمجد حكاية رواها التاريخ.
في أفق المدنية
لما هبط أولئك الصيادون الوادي، وجدوا الجو معتدلا والتربة خصبة، وشاهدوا كثيرا من الأشجار والنباتات، فتركوا الصيد وبدءوا يستلذون الخضر، ثم استطاعوا في النهاية أن يستنبتوا القمح والشعير وغيرهما من النباتات، في وقت لم يكن يعرف فيه إنسان في الأرض عن الزراعة شيئا، واضطرتهم مهنة الزراعة التي احترفوها إلى الاستعانة بالحيوانات، فكانوا أول من استأنس الحيوانات في العالم.
وفي بادئ أمرهم كانوا يعيشون جماعات قليلة، تعمل كل جماعة لنفسها، ورأوا من المصلحة أن تشترك كل بضعة من هذه الجماعات في عمل واحد، يعود عليها بالخير كحفر قناة أو درء خطر، فنشأ من ذلك أول نظام اجتماعي شهده العالم، وتكون من مدن الجماعات المتقاربة إقليم ذو حكومة واحدة.
أما أزمة الأمور في الأقاليم، فكانت في أيدي رجال الكهنة وكبار الدين الملاك، وكان لكل إقليم آلهة خاصة به، عدا ما كان يعبده المصريون جميعا من قوى الطبيعة؛ كالشمس والقمر والنيل.
واتخذ كل إقليم علما خاصا عليه رمز ذلك الإقليم، وعرف المصريون كيف يركبون النيل، وكانت سفنهم الشراعية تحمل رمز الإقليم أيضا.
وكثيرا ما كان سكان الأقاليم المتجاورة يتحاربون، فيتغلب إقليم على آخر فيضمه إليه، وأسفرت نتيجة تلك الحروب عن تكوين مملكتين عظيمتين؛ إحداهما في الشمال وكان رمزها حزمة من البردي، والأخرى في الجنوب وكان رمزها زهرة الزنبق.
الفصل الثاني
الدولة القديمة وعصر بناة الأهرام (3400ق.م-2160ق .م)
أول مملكة في العالم
وهنالك في مملكة الجنوب حوالي سنة 3400 قبل ميلاد المسيح، خطرت فكرة هائلة في رأس الجالس على العرش. زحف ذلك الملك من عاصمته طينة - على مقربة من جرجا الحالية - إلى الشمال، وما هي إلا مدة قصيرة حتى أخضع سكان الشمال، فلبس التاجين، ووحد الوجهين، وأصبح صوته مسموعا من جنادل أسوان إلى مصاب النيل، ذلك هو «مينا» رأس أسرات الفراعنة، ومؤسس أول مملكة أشرقت عليها شمس التاريخ، في وقت كان كل سكان الأرض فيه يعيشون هملا لا رابطة بينهم.
ولا تسل عما جره ذلك الاتحاد على مصر من خير؛ فقد تقدمت العلوم والفنون في المملكة الأولى في العالم، وترقت العمارة وكثر تشييد المقابر والهياكل، وانتظمت حركة التجارة والصناعة.
ولم تكن مثل تلك الحكومة - بما فيها من موظفين وجباة - تستطيع أن تستغني عن طريقة تضبط بها ميزانية الدولة ومقادير الضرائب، فاضطرتهم الحاجة إلى اختراع الكتابة، فكان المصريون أول قوم ورثوا العالم تلك النعمة الكبرى، التي حملها الفينيقيون بعد ذلك بآلاف السنين ونقلوها إلى كل الشعوب.
ولمس المصريون منافع الوحدة الوطنية بأيديهم، وكان هم خلفاء «مينا» من ملوك الأسرتين الأولى والثانية، هو تثبيت دعائمها والتمكين لها.
ولم يكن الناس حتى ذلك الوقت يعرفون البناء بالحجر، حتى جاء «زوسر» من ملوك الأسرة الثالثة، فأسس هرم سقارة المدرج، الذي يعتبر أقدم بناء من الحجر في العالم.
وكثرت الأهرام في عهد الأسرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة. أما الغرض من بنائها فكان حفظ أجساد الموتى؛ لأن المصريين القدماء كانوا يؤمنون باليوم الآخر وبالبعث بعد الموت، غير أنهم كانوا يعتقدون أن الأجساد إذا فنيت عذبت الأرواح وقضي عليها؛ فكانوا لذلك يعمدون إلى تحنيط أجسادهم، فينقعونها في ماء النطرون، ثم يستخرجون الأحشاء والأمعاء ويحشون مكانها التوابل والعقاقير المختلفة، ويصمغون الجلد عدة مرات، ثم يلفونه بالأربطة، ويودعون تلك الموميات - الأجساد المحنطة - بطون تلك القبور الهائلة؛ حتى لا تصل إليها يد العبث أو الفناء.
الأهرام معجزة الدهر
هلم نحاول التغلغل وسط ضباب ثمانية وأربعين قرنا؛ لننظر «خوفو » مؤسس الأسرة الرابعة يبني هرم الجيزة الأكبر.
ها هو طريق طويل معبد بين المحجر، وبين اثني عشر فدانا هي قاعدة الهرم ، انظر كيف يدحرج عشرات الآلاف من العمال الحجارة المنحوتة على أساطين من الخشب. إنهم يصلون إلى مكان الهرم حيث يعمل البناءون. انظر كيف يلصق البناءون الحجارة المصقولة بواسطة تفريغ الهواء، وكيف يشرف المهندسون على العمل. ها هو ذا «رع» إله الشمس ينحدر إلى الأفق، وها هم العمال يغربون معه إلى ثكناتهم التي أعدها لهم الفرعون ليستيقظوا عند شروق «رع»، ويبدءوا من جديد خدمة خوفو الإله الأصغر. انظر! ها هم العمال يروحون إلى حقولهم في مبدأ الشتاء ليزرعوا الأرض، وها هم يعودون إلى العمل وقد غطى فيضان النيل الحقول. إن الهرم يعلو عاما بعد عام والعمال يهيلون حوله التراب ليدحرجوا فوقه الحجارة، لقد وصل البناءون إلى القمة. إنهم الآن يطلون الهرم ببياض من المرمر المسحوق. إنهم يزيلون التراب ويطلون الهرم من أعلى إلى أسفل. لقد مرت ثلاثون سنة منذ بدئ في عمل الهرم. لقد تم بناء الهرم الآن.
ونحا «خفرع» و«منقرع» في بناء هرميهما الأوسط والأصغر نحو خوفو، فلا تصدق ما تقوله اليونان على خوفو وخفرع ومنقرع؛ إنهم ينقمون عليهم إدارتهم تلك الأعمال الفنية الهائلة. «السيدة نفرت» من أميرات القصر الملكي في عهد الأسرة الرابعة، وترى الحياة تكاد تجري في جميع أنحاء التمثال الرائع؛ مما يدل على أن الفنون الجميلة وصلت في عهد بناة الأهرام إلى حد لا يجارى (عن تمثال بالمتحف المصري).
إنهم يحسدون المصريين على حذقهم فنون البناء والهندسة والطبيعة والفلك، التي استلزمتها إقامة تلك الأهرام الهائلة. أليست هي معجزة الدهر الخالدة؟!
بصيص من الديمقراطية
دعك من أن الأسرة الخامسة تدهورت في عهدها الملكية، وزاد نفوذ حكام المقاطعات، واسمع ما يقوله «بتاح حتب» - أول فيلسوف في العالم - مخاطبا الرؤساء والأمراء:
إذا وليت أمر قوم فلا تتحكم في أعناقهم بظلم، ولا تسع في سلب نعمتهم؛ فإن الخير يذهب عنك بقدر ما تذهبه عنهم ... وكن عادلا؛ فإن العدل يضمن لك الفوز في الحياة؛ لأن له صولة تدوم وتبقى في الأرض ... وإذا كنت رئيسا فعامل من هم أقل مرتبة منك برفق ، واعلم أن مرءوسك هو ساعدك وعضدك، وأن التشدد في معاملته يجعله يخفي عنك ما يفيدك العلم به ...
أليست هذه بذور الديمقراطية؟!
فإن أبيت إلا برهانا عمليا، واعتبرت هذا مجرد كلام، فها هو «بيبي الأول» - من ملوك الأسرة السادسة - لم ير غضاضة في أن ينزل إلى صفوف العامة والأوساط المنحطة، فيستخدم ذوي الكفايات منهم ويقلدهم معظم مناصب الدولة الهامة، التي كانت من قبل وقفا على الكهنة والأمراء. أليست هذه هي الديمقراطية لحما ودما ومعنى، وإن لم تكن لفظا؟!
وخلف هذا الملك الديمقراطي «بيبي الثاني»، الذي حكم ما يزيد على 90 سنة، وهو أطول حكم حكمه ملك واحد في التاريخ، وقرب آخر أيامه استقل حكام المقاطعات، وصاروا يتنازعون فيما بينهم، وعادت مصر إلى الانقسام الذي أنقذها منه «مينا» منذ ألف سنة.
وظل الانقسام تتبعه الفوضى مخيما على مصر أيام الأسرتين السابعة والثامنة، وفي أيام الأسرتين التاسعة والعاشرة انحصر النزاع بين مدينتي هرقليوبوليس - مكانها أهناسية - ومدينة طيبة - مكانها الأقصر - وانتهى هذا النزاع بسقوط هرقليوبوليس وانتصار طيبة.
الفصل الثالث
عهد الإقطاع والهكسوس (2160ق.م-1580ق.م)
تجربة جديدة
لما انتصر أمراء طيبة على هرقليوبوليس، أخضعوا جميع مقاطعات مصر لهم، ووحدوا القطر من جديد.
غير أن تلك الوحدة تأسست على نظام جديد؛ هو نظام الإقطاع.
ويتلخص ذلك النظام في أن مصر قسمت إلى عدة مقاطعات، يحكم كل مقاطعة أمير، يكاد يكون فرعونا في مقاطعته، يملك الأرض وما عليها، وكان الأمراء يرثون الحكم عن آبائهم، ولم تكن هناك رابطة تربطهم بالملك إلا دفع قدر من المال لخزينته كل عام، وإمداده بالجنود إذا احتاج إلى ذلك، وكان الأمراء بوجه عام يشعرون بواجب الولاء للملك، غير أنهم كانوا إذا استضعفوا الملك يمتنعون عن دفع الضرائب، ويحاربونه إذا أصر على أخذها، ومن أجل ذلك كان الملوك يقيمون حرسا قائما لحمايتهم، وكان هذا أول عهد لمصر بالجيوش القائمة.
تحت هذا النظام خدم ملوك الأسرة الثانية عشرة - أشهر نجوم ذلك العصر الزاهرة - مصر خدمات جمة.
فهذا «امنمحعت الأول» يملأ جو البلاد رغدا وسكينة، ويفتخر قائلا: «لا جائع في مدتي ولا عطشان تحت سلطاني.» وهذا «اسرتسن الثالث» يغزو الشام، ويخضع بلاد النوبة، ويشيد القلاع لحمايتها عند نقطتي قمة وسمنة، ويحفر خليج «سيزوستريس» الذي كان يصل النيل بالبحر الأحمر.
وذلك هو «امنمحعت الثالث»، يرى بثاقب بصره أن الزراعة مصدر ثروة مصر الهام، فيتخذ من إقليم الفيوم المنخفض خزان «موريس»، تحفظ فيه المياه في أوقات الفيضان؛ لينتفع بها وقت انخفاض النيل، ويؤسس عند مدخل الخزان قصر لابيرنته العجيب.
نجاح وفشل
لنسرح الطرف الآن في بعض البلاد أيام الدولة الوسطى، ها هو ذا أحد الأمراء الإقطاعيين يشتغل بنحت قبره في جانب الجبل. انظر! أليس قبره هذا رشيقا؟ وكم ينفق الصناع من حذق ومهارة في تجميله وزخرفته؟! وها هو ذا قصر أمير آخر على ضفاف النيل. انظر إلى الحدائق الغناء وإلى طيور الماء تأوي إليه هادئة. تعال معي نتتبع إحدى بعثات التجار التي كان يبعثها أمراء الإقطاع في ذلك الوقت السحيق، انظر! ها هي جمهرة كبيرة من السفن. إنها تبرح مياه الأمير. إن الملاحين ينشدون ويغنون، والمراكب تسير بهم إلى الجنوب. انظر! ها هم قد وصلوا إلى جنادل أسوان. إنهم يخترقون القناة التي حفرها «اسرتسن الثالث» في حجر الجرانيت ليتجنبوا الجنادل. ها هم يتوغلون في أواسط السودان. إنهم يبتاعون للأمير من بلاد النوبة وبلاد بنت - السومال وعدن - ريش النعام، وسن الفيل، والعطور والطيوب. ها هم يعودون وقد وصفوا رحلاتهم في قصص طويلة مسلية. هل ترى كيف يقرؤها الناس بشوق ويدرسها الطلبة في المدارس؟!
إن أمثال هذه الرحلات البرية والبحرية التي كانت تتوغل في الجنوب حتى تصل إلى المحيط الهندي - آخر حد للدنيا! - وتتوغل في الشمال حتى تدرك بلاد فلسطين، وفينيقيا، ولبنان، وجزائر اليونان، واليونان نفسها، والتي كان يدون أخبارها ويصفها الربابين ومن معهم من الأدباء؛ هي أساس الأدب المصري القديم، الذي كان يتميز به عصر الإقطاع ، كما كان يتميز عصر الدولة القديمة بالأبنية الضخمة كالأهرام. لقد وضعت في ذلك العهد جملة صالحة من الأناشيد والأشعار، كما ألفت أول رواية تمثيلية في العالم؛ وهي «درامة أوزوريس» أول إله سكن مصر، التي صورت فيها حياة «أوزوريس» ومماته ودفنه وبعثه، والتي كانت تمثل كل عام، فيشترك في تمثيلها عدد عظيم من الناس. كذلك تقدم علم الطب والعلاج، ولا تزال بعض الأدوية والمعالجات التي كان يصفها الأطباء المصريون قديما لمرضاهم في تذاكرهم الطبية - الروشتات - كزيت الخروع والحجامة والكي؛ تستعمل إلى وقتنا هذا. وتقدمت في هذا العهد أيضا العلوم الرياضية والفلكية؛ فألفت كتب في الحساب على النظام العشري، الذي لا يزال مستعملا إلى الآن، كما وضعت مبادئ الهندسة والجبر، واخترعت آلات بسيطة لرصد الأجرام السماوية.
وترقت الإدارة الحكومية، فكان يعمل كل بضع سنين إحصاء يعتمد عليه في جباية الضرائب، كما أنشأ «امنمحعت الثالث» مقياسا للنيل عن حصن سمنة - الشلال الثاني - لينبئ بحالة الفيضان؛ لكي تتناسب الضرائب مع مقدار الفيضان. ولقد أقيمت في هذا العصر السدود والخزانات؛ فأخصب خزان بحيرة «موريس»، الذي أنشأه امنمحعت الثالث، ما يقرب من 27 ألف فدان من إقليم الفيوم وحده، فكانت الحكومة منذ 4000 سنة تفكر فيما يشغل بال الحكومات في وقتنا هذا.
وكان لمصر أسطول ضخم وصل إلى جزائر اليونان، واستولى على كريد وغيرها من الجزائر، وكانت السفن المصرية تأتي من بحر إيجه، فتدخل أحد فروع النيل، ثم تسير إلى أن تصل إلى قناة «سيزوستريس»، إلى البحر الأحمر، إلى بلاد بنت، إلى المحيط الهندي الذي كان يعتبره المصريون آخر حد للدنيا.
ولم يهمل المصريون الصناعة في هذا العصر؛ فحذقوا صياغة الحلي الدقيقة، ونظرة واحدة إلى قاعة الذهب في المتحف المصري تترك الإنسان حائرا من جمال ما يرى، أما مباني هذا العصر فكانت تمتاز بالدقة والتناسق، وحسن الذوق، والجمال والرشاقة، على عكس مباني الدولة القديمة التي كانت تمتاز بالضخامة والعظم.
تلك كانت الحال أيام الأسرة الثانية عشرة؛ نجاح على طول الطريق، فإذا كنا في أيام الأسرة الثالثة عشرة - ذلك الرقم المشئوم - إذا بذلك النظام الهائل ينقض، وإذا بنجاح عهد الإقطاع يتبدل فشلا، وإذا بالأمراء وحكام المقاطعات يستقلون ويغيرون على مقاطعات جيرانهم، يبتغون الوصول إلى مصر بأسرها، ولم تكن مصر بدون أعداء في ذلك الوقت؛ فلقد كانت تتكون في الشمال الشرقي من حدودها إذ ذاك دولة جديدة، وكانت حالة مصر التعسة تشجع أي دولة على غزو البلاد؛ الأمر الذي تم بكل أسف في أواخر الأسرة 13 المشئومة؛ إذ بدأ الهكسوس الآسيويون يغيرون على مصر.
ولسنا نعلم عن الهكسوس أو الملوك الرعاة أكثر من أنهم شعب سامي الأصل، شجعتهم انقسامات مصر على الدخول، فهبطوا الوادي المقدس عن طريق برزخ السويس، واستطاعوا أن يجتاحوا الوجه البحري وبعض أقاليم الوجه القبلي بدون عناء كبير، وساعدهم على التمكن من مصر بعض الزعانف من أمراء المصريين، الذين يعبدون السلطة حيثما ظهرت، وكان حكم هؤلاء الأجانب أشد ما يكون بغضا إلى المصريين؛ لا لأنهم عاملوا المصريين بقسوة وفظاظة، ولا لأنهم حطموا الهياكل والمعابد فحسب؛ بل لأن عهدهم كان في مصر أول حكم أجنبي عليها.
غير أن الهكسوس ابتلعتهم المدنية المصرية، فلم يلبثوا بعد أن كانوا همجا، حتى تمصروا واندمجوا في المصريين، وقلدوا أنماطهم وعبدوا آلهة مصر، ولكن على الرغم من ذلك لم يغفر لهم المصريون جرم فتحهم لبلادهم، فكانوا يلقبونهم بالهمج والرعاة والكفرة احتقارا لهم وحطا من شأنهم.
وقر الهكسوس في مصر أيام الأسرات 14، 15، 16، 17 زمنا اختلف المؤرخون في تقديره من قرنين إلى خمسة قرون، كانوا يحكمون مصر، إما مباشرة من عاصمتهم أفاريس - في برزخ السويس - أو بواسطة ولاة أو ملوك من المصريين يحكمون باسم الهكسوس.
وغير الهكسوس أساليبهم العتيقة في حكم البلاد، ولكن ذلك لم يغير من قلوب المصريين نحوهم.
وقرب آخر أيامهم استطاعت عدة ولايات في الوجه القبلي أن تنفصل عن الهكسوس، وكانت أهم هذه الولايات طيبة، التي بدأ أمراؤها أو ملوكها يشقون عصا الطاعة على الهكسوس ويجابهونهم بالعداء، وما زالوا في حروب مستمرة معهم حتى تم طردهم على يد «أحمس» مؤسس الأسرة 18.
حرب الاستقلال
لم يبدأ هذه الحرب «أحمس»، بل بدأها ثلاثة؛ هم: «سكنن رع الأول» ملك طيبة، و«سكنن رع الثاني»، و«سكنن رع الثالث».
وفي عهد هذا الأخير كان ملك الهكسوس الذي يحكم من أفاريس هو «أبابى»، وقامت بين هذا الملك المغتصب وبين «سكنن رع» حرب لا نعلم من تفاصيلها سوى أن البطل «سكنن رع» مات فيها، فليسجل له التاريخ مجد الدفاع عن الوطن.
1
ونجح «كاموز» بن «سكنن رع» في طرد الهكسوس من الوجه القبلي حتى مدينة منف، تاركا لأخيه «أحمس» مهمة إجلاء الهكسوس عن مصر تماما.
لقد كانت مهمة «أحمس» من أشق المهام، لقد كان فرضا عليه أن يطوي الأمراء تحت جناحيه. لقد رأى من حسن السياسة أن يضمن الحالة في الجنوب في حرب قد تستبقيه أعواما طوالا في الشمال، فتزوج من ابنة ملك إتيوبيا الذي أمده بجيش من جنوده الأشداء. لم يكد «أحمس» يبدأ بالزحف إلى الشمال، حتى كانت جماهير المتطوعين من المصريين تتدفق إلى جيشه؛ لتخلص البلاد من الأعداء. لقد اضطر «أحمس» إلى إرجاع الجنود الإتيوبيين؛ حتى لا يشارك المصريين أحد في فخر استرجاع الاستقلال. ها هو ذا الجيش يسير إلى الشمال، ولواء البر معقود «لأحمس بنحب»، ولواء الأسطول معقود «لأحمس بن أبانا»، والقيادة العامة للجيش، والأسطول لجلالة الملك «أحمس». سار الأحاميس الثلاثة حتى وصلوا عاصمة المغتصبين - وكانت تحوطها قناة متصلة بأحد فروع النيل - وحاصروا مدينة «أفاريس» يعضدهم الرأي العام المصري، ولم يفت في عضدهم خيانة الخائنين، ودعاة الهزيمة الذين اضطروا «أحمس» لفك الحصار والعودة إلى الجنوب؛ لإخماد تلك الثورات عدة مرات.
وأخيرا أسقط في يد الهكسوس، ووقعت «أفاريس» في يد المصريين الذين عمدوا إليها، فدكوها دكا، واقتلعوا الأحجار من أساسها؛ حتى لا يبقى شيء يذكرهم بذلك العصر المنحوس، وولى الهكسوس الأدبار، لا ليعودوا من حيث أتوا؛ ولكن ليتحصنوا في عدة حصون، كانوا قد أقاموها على الطريق الشرقي، وكان الهكسوس يستبسلون في الدفاع عن هذه الحصون، وكان «أحمس» يقتلعهم اقتلاعا من الحصن بعد الحصن، حتى يتم جلاؤهم عن الحدود، وغابوا عن نظر أحمس، فتحقق وتم الاستقلال.
ولم يقنع «أحمس» - محرر مصر - بهذا، بل توغل وراء الهكسوس في فلسطين وسوريا، وهناك رأت عيون المصريين بلادا غير بلادهم، وتفتحت لغير ما عهدوه في مصر، فدفعهم النجاح في طرد الهكسوس إلى محاربة هذه البلاد وضمها إلى مصر، ففتح «أحمس» بلاد فلسطين، ووضع بذلك الحجر الأول في بناء الإمبراطورية المصرية الشامخ، الذي أتمه أخلافه ملوك الأسرة 18.
الفصل الرابع
إمبراطورية الفراعنة (1580ق.م-332ق.م)
الفراعنة العظام
ويعود أحمس إلى مصر ظافرا منتصرا، فإذا الأمة تخرج إلى استقباله، وإذا المظاهر الباهرة والاحتفالات الساهرة تملأ ربوع البلاد، ويعلو شأن طيبة التي أنجبت البطل أحمس، ويذيع نفوذ إلهها «آمون»، الذي باسمه طرد الهكسوس وفتحت الأقاليم الجديدة، ويضرب «أحمس» نظام الإقطاع الفاشل الضربة القاضية، فيركز كل السلطة في يده، ويجعل كل الأراضي ملكا خاصا له، وتشهد مصر إذ ذاك أقوى حكومة مركزية في تاريخها، ثم ينصت العالم وتتكلم مصر ويسجل التاريخ!
هذا هو «أمنوفيس الأول» يفتح بلاد سوريا، ويغزو بلاد لوبية في الغرب، وهذا هو «تحتموس الأول» يعود من حرب النوبة، حاملا على مقدمة سفينته جثة أحد الزعماء النوبيين، مدلاة من رجليها، وينصرف بالأسطول إلى فينيقيا، ثم يتوغل في أعالي الفرات، فيدون أخبار انتصاره على لوح هناك.
تمثال الإمبراطور الأعظم «تحتموس الثالث» من الأسرة 18، الذي لقبه المؤرخ الأمريكي بريستد بنابليون مصر (عن الطبعة 14 من دائرة المعارف البريطانية).
وتلك هي الملكة «حتشبسيوت» - أقوى ملكات مصر - تكسف بحذقها ونفوذ حزب المحافظين المصريين - حرب الوراثة الشرعية - كيان أخويها تحتموس الثاني والثالث، فتتزيا بزي الرجال، وتخاطب بلقب صاحب الجلالة، وتبعث بحملة إلى بلاد بنت، تعود سفنها محملة بالتوابل والعطور والنسانيس والزراف وريش النعام، فتدون أخبارها على معبدها الدير البحري.
وينفرد «تحتموس الثالث» بالحكم، فإذا بالفتى الذي خبأت عبقريته حتشبسيوت يصبح إمبراطور مصر الأعظم، فيدوخ ملك «قادش» وأحلافه في معركة «مجدو»، ويروح ويغدو إلى آسيا سبع عشرة مرة، تقع فيها آسيا تحت قدميه، ويتزلف إليه ملوك أشور وبابل والحيثيين والميتاني، فيقدمون له الخضوع ، ويحملون إليه الجزية، فيوفرون عليه مشقة الحرب، وإذا بأسطوله يجتاح سواحل فينيقيا وآسيا الصغرى وقبرص وكريد ورودس وغيرها من جزائر البحر، وإذا بالإمبراطور الأعظم وهو في السبعين من عمره لا يعرف الراحة، فيقود حملة إلى بلاد النوبة، ويتوغل بها في مجاهل السودان، والمراسلون الحربيون في كل حروبه - كما تفعل أرقى الجيوش الآن - يدونون يوما بيوم وبالتفصيل، حوادث الحرب والفتح.
كذلك كونت أول إمبراطورية في الأرض.
أول إمبراطورية في العالم
ولقد كان تأسيس هذه الإمبراطورية خلقا جديدا لمصر؛ إذ تغيرت الحالة من جميع النواحي، وأصبحت الدولة حربية بكل معاني الكلمة، وصارت الجندية هي الطريق الوحيد لكسب المال والشرف، حتى إن أحقر حقير - حتى العبد - كان يأمل بانضمامه إلى الجيش في الوصول إلى أرقى مناصب الدولة.
وكان في مصر طول عهد الإمبراطورية ثلاثة أحزاب قوية: حزب الكهنة، والحزب العسكري، وحزب المحافظين - أو حزب الوراثة الشرعية - وكانت هذه الأحزاب تدفع مرشحيها لا إلى البرلمان، ولكن إلى العرش؛ فحزب المحافظين كان يرى ضرورة أن يرث الابن الشرعي أباه في العرش، وكان هذا الحزب يعضد وراثة «حتشبسيوت» لأبيها في العرش، بينما كان يعضد حزب الجيش «تحتموس الثاني»، وحزب الكهنة «تحتموس الثالث»؛ لأنه قضى حياته الأولى في المعبد.
وفي عهد الإمبراطورية، كانت الحكومة متمركزة في يد الملك أو الإمبراطور، يساعده في تدبير شئون الدولة صاحب الخزائن - وزير المالية - ووزيران آخران، يقيم أحدهما في مدينة هليوبوليس، والآخر في مدينة طيبة.
وكانت مهمة الوزير في طيبة، منحصرة في إدارة دخل الملك، وفي الإشراف على الضرائب وجزية المستعمرات، والقضاء بين الناس، والاحتفاظ بسجلات الدولة.
الإمبراطورية المصرية في أقصى حدودها أيام الأسرات 18، 19 و20 (مصغرة عن الجزء الأول من الأطلس الجغرافي التاريخي، للمؤلف والأستاذ الرشيدي).
وكانت المحاكم منتشرة في أهم مدائن الدولة، يحكم فيها قضاة يعينهم الوزير بأمر الملك، ويستطيع المتقاضون فيها أن يستأنفوا الأحكام إلى الوزير في طيبة، الذي كان مكتبه يعتبر محكمة استئناف عليا لكل محاكم القطر. وكانت محكمة الوزير في طيبة تكفل العدالة لكل إنسان، ولم يكن حتى المتآمرون على حياة الملك يعاقبون بطريقة تعسفية، بل كانوا يقدمون إلى المحاكمة.
وكثيرا ما كان يجوب الوزير أنحاء القطر، متفقدا حالة الجيش والأسطول والحصون على الحدود ، وحالة الري والزراعة والغابات، وشئون المعابد وأرصفة المواني.
وكانت طريقة الحكم في عهد الإمبراطورية تشبه الطرق المستعملة في عصرنا هذا؛ فكانت البلاد المجاورة لمصر كفلسطين تخضع للحكومة المركزية، أما في بلاد سوريا وقبرص وكريد، فكان الأمراء الوطنيون يحكمون بلادهم، وكان الإمبراطور يعين مع كل ملك موظفا ساميا مصريا له الأمر والكلمة العليا، وعلى الأمراء الطاعة والتنفيذ، وكان هؤلاء الموظفون المصريون يشرفون على جباية الضرائب، تعضدهم حامية مصرية، وكان أبناء الأمراء يبعثون إلى مصر؛ ليكونوا رهائن على سلوك آبائهم؛ وليتعلموا على النظم المصرية، حتى إذا ما آل إليهم الملك خدموا الإمبراطورية خدمة صادقة. أما البلاد البعيدة فكانت تبعث إلى مصر هدايا بانتظام، ربما فاقت جزية المستعمرات الأخرى.
طيبة المدينة الخالدة
وكانت طيبة المدينة الخالدة مركز ذلك الملك الشاسع، وكان النيل يفصلها إلى قسمين: طيبة الغربية وطيبة الشرقية؛ فأما الأولى فكانت تسمى مدينة الأموات، يكتنفها من الغرب واديان عظيمان، هما واديا الملوك والملكات، اللذان نحت ملوك وملكات الإمبراطورية قبورهم فيهما على شكل سراديب، تنحدر في باطن الجبل عشرات الأمتار، وتنتهي بردهات وحجر، يوضع في أقصاها وأبعدها غورا تابوت الملك، وبين «بيبان» الملوك والملكات ونهر النيل تقع عدة معابد جنائزية، كان الغرض من بنائها أن يصلى فيها على أرواح الموتى، وأن تقدم القرابين للآلهة؛ لكي يسهل على الفراعنة اجتياز العالم السفلي، حتى يصلوا إلى ملكوت «أوزوريس»، حيث يزن الإله «أنوبيس» أعمالهم في الميزان، ويقيد الإله «توت» نتيجة الميزان، ثم يقدم الإله «حوريس» من ثقلت موازينه إلى حظيرة «أوزوريس» - كبير الآلهة - ليدخله جنة الآخرة، وأما من خفت موازينه فتتلقفه آلهة كالوحوش الكاسرة، تلك هي طيبة الغربية مدينة الأموات.
أما طيبة الشرقية فكانت مدينة الأحياء، وكانت عامرة بقصور الملوك والأمراء، وغاصة بمساكن الطيبيين ومعابد الآلهة، وبخاصة «آمون» إله طيبة وزوجته الإلهة «موت» وابنهما الإله «خنسو».
فلنرجع القهقرى بالخيال إلى عصر «أمنوفيس الثالث» - الأسرة 18 - لنرى طيبة في أزهى عصورها.
ها هو ذا قصر فرعون على ضفة النيل، تحيط به الأشجار الجميلة، وتحفه المهابة والوقار، ويملأ ساحته الحرس الأشداء. وها هي ذي قصور الأمراء والوزراء، تكتنفها الحدائق الغناء، وتسبح في بحيراتها الصناعية خفاف القوارب والأسماك. وهذا هو معبد الأقصر قد صفحت أراضيه بألواح الفضة، وزخرفت نقوش جدرانه بالذهب وأكرم الأحجار، واكتظت تحت وهج الشمس في ساحته الخارجية آلاف الخلق من رجال ونساء، يقدمون القرابين على مذبح الإله. وهذا كاهن يلبس على كتفه جلد النمر، يخترق صفوف الأمراء والعظماء من أقصى ساحات المعبد المظلمة، حيث قدس الأقداس، ليهيب بالناس أن أنصتوا لتروا معجزة الإله.
وهذا طريق الكباش الرابضة، يؤدي إلى معابد الكرنك، حيث البحيرة المقدسة وحيث يضل السائر في ساحاتها الشاسعة بين آجام الأعمدة الزاهية وشوامخ المسلات.
وهذا رهط من الريفيات يردن المدينة: تلك تحمل على رأسها جرة فيها نبيذ، وهذه تتأبط حزمة من غزل الكتان، وتلك تسوق وقيرا من الغنم، وهذه تبحث عن حانوت الكحال، وتلك ترتاد ناحية النجاد، وبينا المدينة في حركة إذا فجأة يهرول جماعة من جند القصر الملكي من ناحية المعبد، يهتفون بالناس أن أفسحوا الطريق، ثم تمر أميرة من بنات فرعون، يحملها عبيدها السود على محفة غاية في الرواء، فيحييها الناس برفع أيديهم وبالانحناء.
وفي أحد ميادين العاصمة ترى قبيلا من رجال ونساء وأطفال، يلبسون ثيابا مختلفة الأزياء، ويتكلمون بعدة لغات، وقد وقف في وسطهم فيال، تقفز على ظهر فيله الضخم القردة والنسانيس، فيتفكه بمرآها الناس.
ثم ترى حشدا من الناس يزدحمون بالمناكب عند أرصفة طيبة؛ ليروا السفن الآتية من الجنوب والشمال، تحمل الجزية لفرعون وأسرى المستعمرات، فيسر الناس لرؤية الغنى يتدفق إلى بلادهم، والأسرى مكبلين بالأغلال والأصفاد يساقون إلى الخدمة في الحقول وإقامة المعابد «لآمون رع» مصدر الخيرات، وترى الرسامين يصورون أولئك الأسرى التعساء صورا كاريكاتورية على قطع من الخشب «كالكارت بوستال»، يبتاعها الناس، ويتفكهون بالضحك عليها.
ذلك كان مرأى الحياة في طيبة منذ ثلاثة آلاف وثلاثمائة عام، عندما كان الإمبراطور أمنوفيس الثالث أعظم رجل في العالم.
فلسفة تضحي إمبراطورية
فإذا كنا في أعوام «أمنوفيس الرابع» ابن «أمنوفيس الثالث»، إذا برجة هائلة ، تزلزل عقائد الناس، وتهز دعائم الإمبراطورية المتينة.
ولم تكن إمبراطورية كإمبراطورية «أمنوفيس الثالث» تخلو من أعداء يعيشون في كنفها؛ والدول في عنفوانها تحتاج إلى اليقظة أكثر من أي وقت آخر، وقد كان يتاخم الإمبراطورية من جميع النواحي أعداء في الباطن أصدقاء في الظاهر، يريدون لها الوقيعة، ويتربصون بها الدوائر؛ فدولتا الميتاني والحيثيين كانتا تتاخمان الإمبراطورية من الشمال، وقبائل البدو الخبيري من ناحية فلسطين، واللوبيون من الغرب، والإتيوبيون من الجنوب، ولم يكد «أمنوفيس الرابع» يتولى العرش، حتى أثار حربا عوانا على الآلهة، وأخذ يدعو إلى عبادة إلهه الجديد «آتون»، وإذا به يغير اسمه من أمنوفيس الذي يحوي كلمة آمون إلى «أخناتون» ومعناها «روح آتون»، ثم يأمر، فتغلق معابد آمون، وتضطهد كهنته، وتمحى لفظة الآلهة بصيغة الجمع من المعابد، ويحمل الناس على عبادة «آتون» الإله الخفي الواحد الصمد الذي لا يلمس والذي لا شكل له، والموجود في كل مكان، والمحرك لتلك القوة الهائلة المستقرة في الشمس، التي تنبت الزرع، وتضيء العالم والرفيق الرحيم، والذي يمنح الخيرات، ويكره الحروب، ويسر لمساعدة الناس.
وأغضب كهنة آمون - ذوو النفوذ العريض والمال العديد - لدعوة التوحيد الجديدة؛ فأثاروا الشعب على «أخناتون». ويرى «أخناتون» أن طيبة - وهي ملأى بمعابد «آمون» - لا تصلح لدعايته الجديدة، فيبني له مدينة جديدة - عند تل العمارنة الحالي - تسمى «أخيتاتون» - ومعناها أفق آتون - وينقل إليها ملكه، ثم يملؤها بالمعابد والقصور لإلهه الجديد، ويحتم على الرسامين والمثالين أن تكون صورهم وتماثيلهم طبق الأصل من الطبيعة، لا تجميل فيها ولا تزويق.
حقا، لقد كان «أخناتون» أول فيلسوف في العالم دعا إلى الحق والهدى، وكانت صيحته أول صيحة بالوحدانية، في وقت كانت الوثنية فيه في حصنها الحصين، ولكن العالم إذ ذاك لم يكن مستعدا لإجابة مثل هذه الدعوة، وجاء نبي الفراعنة قبل أوانه بعشرات القرون.
وأدرك أعداء مصر أن فرعون قد انقلب قديسا نبيا، فأغاروا على أملاك الإمبراطورية في الشمال، ويسجل التاريخ إخلاص الموظفين المصريين في هذه الناحية؛ فقد بحت أصواتهم من طلب النجدة وترقب الأوامر من طيبة، ولكن «أخناتون» لم يكترث لعرض الدنيا، وركز جهوده وعبقريته لخدمة دينه الجديد، وبلغ السيل الزبا، فامتنعت المستعمرات عن دفع الجزية، ولكن «أخناتون» لم يتحرك.
وأخيرا مات «أخناتون»، تاركا وراءه ظلا ضعيفا لإمبراطورية كانت بالأمس عظيمة، وخزانة خاوية، ولخلفه من بعده كهنة ثائرين، يرغبون في الانتقام، وجيشا غاضبا، وشعبا حانقا.
ولم ينجب «أخناتون» ذكورا؛ فتولى من بعده «سكارع» زوج ابنته، ولم يكن حكمه مهما، ثم تلاه «توت عنخ آتون» زوج ابنته الأخرى؛ فكان في مبدأ حكمه مخلصا لآتون، ثم لم يلبث أن طواه الكهنة، فإذا به يبرح مع بلاطه «أخيتاتون»، ثم يعود إلى طيبة، فيصدر أمرا بإعادة عبادة آمون، ثم يغير اسمه من «توت عنخ آتون» إلى «توت عنخ آمون»، ويأخذ في إصلاح معابد «آمون» التي خربها حموه، ثم يملؤها بتماثيل الآلهة الذهبية، ثم يبالغ في مرضاة كهنة آمون، فيجزل لهم العطايا، ويعيد النظام القديم بحذافيره.
الملك «أخناتون» الملقب بنبي الفراعنة وزوجته الملكة «نفرتيتي» (عن نقش في جدار بتل العمارنة).
وهكذا يتم فشل «أخناتون»، وبفكرة فلسفية سامية تضيع أولى إمبراطوريات العالم.
مد وجزر
ثم تسقط الأسرة الثامنة عشرة بعد وفاة «توت عنخ آمون» بقليل؛ ويؤسس «حرمحاب» الأسرة التاسعة عشرة، وإذا بسيتي الأول يحاول أن يسترد إمبراطورية «تحتموس الثالث»، فلا ينجح إلا في استرداد فلسطين؛ لأن الحيثيين من سكان آسيا الصغرى - الذين بدءوا الغارة على المستعمرات المصرية أيام الفيلسوف «أخناتون» - كانت قد رسخت قدمهم في سوريا.
ويأتي دور «رمسيس الثاني» - أشهر فراعنة مصر - وإذا به يحاول أن يسترد من جديد إمبراطورية «تحتموس الثالث»، فيصيب القصد ولكن يخطئه التوفيق، ويرضى - بعد حروب عدة وبعد انتصاره على الحيثيين وحلفائهم في معركة «قادش»، التي أظهر فيها شجاعة نادرة خلدت اسمه في سجل الشجعان في العالم - أن يقنع من انتصاراته العديدة بمعاهدة هجومية دفاعية بينه وبين ملك الحيثيين، يلقب فيها بملك مصر الأكبر، بينما حليفه «ختاسار» يلقب بأمير الحيثيين، ولكن المعاهدة لا ترد لمصر إلا فلسطين. ثم يتزوج «رمسيس» من ابنة ملك الحيثيين، ولا تروي الحروب غلته، فيطفئ غروره بإقامة التماثيل والمعابد، ينقش على جدرانها قصائد شاعره «بنتاءور» في تمجيده ووصف معركة «قادش» أهم معارك رمسيس، ويستبطئ النحاتين والمثالين في صنع تماثيله الهائلة العديدة، فيضحون الفن في سبيل الكثرة ولا يكتفي بهذا، فيمحون أسماء أسلافه من على تماثيلهم ومعابدهم، ويضعون بدلها اسم «رمسيس»، ألا تتفق معي على أن رمسيس كان أعظم غشاش في التاريخ؟!
ثم يموت «رمسيس» وقد نيف عمره على قرن، تاركا وراءه عدة زوجات و111 ولدا و51 بنتا لابنه العجوز «منفتاح».
وتثور فلسطين في عهد «منفتاح» فيخضعها، ويعود ليخضع من أغاروا على الدلتا من اللوبيين وسكان جزائر البحر الأبيض المتوسط، وربما كان «منفتاح» هذا هو فرعون موسى الذي خرج في عهده بنو إسرائيل من مصر.
ويعود اللوبيون إلى الغارة على مصر ثانية، فيهزمهم «رمسيس الثالث» من الأسرة العشرين.
ويقوى نفوذ الكهنة، فيتخذون من الرماسسة - بقية ملوك الأسرة العشرين - ألاعيب يفعلون ما يؤمرون.
ويقفز «حرحور» رئيس الكهنة إلى عرش مصر، فيكون أسرة من الكهنة، هي الأسرة الحادية والعشرون، تفقد مصر في عهدها طورسينا وفلسطين.
ويشاء القدر الساخر أن يجلس على عرش مصر «شيشنق» الأول - ملك اللوبيين - فيتخذ من مدينة بوبسطة - تل بسطة عند الزقازيق - عاصمة للأسرة الثانية والعشرين.
وتتحرك دماء الفراعنة في «بعنخى»، فيخرج من بلاد النوبة المتمصرة منذ مئات السنين، فيستولي على منف، ويكون كهنة آمون الأثرياء بسلطانه الأسرة الثالثة والعشرين.
ويستقل بالوجه البحري أميرسايس - صاالحجر - الملك «بخوريس»؛ فيؤسس الأسرة الرابعة والعشرين، بينما يظل الوجه القبلي تحت حكم النوبيين المصريين.
وتتطلع من أقصى الشرق عيون الأشوريين إلى مصر، فيتهمون المصريين بمساعدة أهل الشام الثائرين، فيستولي على الدلتا «أسرحدون» ملك الأشوريين، ويؤسس الأسرة الخامسة والعشرين، ويستجمع الملك «طهراقة» في الجنوب قوته، ويطرد الأشوريين، فيعودون بعد حين، ويدمر ملكهم «أشوربانيبال» طيبة الخالدة مدينة آمون.
وتظل الحرب سجالا بين النوبيين والأشوريين، كل يريد الاحتفاظ بمصر، فيغتنم الفرصة أمراء الدلتا المصريون، ويقومون بمساعدة المرتزقة من جنود الإغريق؛ فيطردون هؤلاء إلى الشمال، وأولئك إلى الجنوب، ويستقلون بمصر مكونين الأسرة السادسة والعشرين.
ويعيد فراعنة هذه الأسرة العظام - أبسماتيك ونيخاو وأبريس - إلى مصر استقلالها المسلوب وزهاء مجدها القديم.
فيجمع «أبسماتيك» للدفاع عن استقلال البلاد جيشا من مرتزقة الإغريق.
ويقوي «نيخاو» الجيش والأسطول، فيفتح بهما فلسطين وسوريا، ويتوغل في العراق، ثم يوصل البحرين الأبيض بالأحمر عن طريق النيل، ويبعث أول بعثة استكشافية في العالم، فتطوف حول أفريقيا، وتتم رحلتها في ثلاث سنين.
ويفتح «أبريس» سواحل فينيقيا بأسطوله الضخم، وتملأ صفحة مصر بمعابد ضخمة كمعابد العهد القديم، ويشتد ميله إلى الأجانب وبخاصة الإغريق، فيثور عليه المصريون، ويولون مكانه قائد جيشه «أحمس» أو «أماسيس».
بهو الأعمدة في عصر زهائه في معبد آمون الكبير بالكرنك (عن عجائب الماضي للأستاذ هامرتن).
ويتبع «أحمس الثاني» سياسة «أبريس»، حتى إنه يقطع الإغريق أرضا في غرب الدلتا، يؤسسون عليها مدينة نقراطيس.
ثم يرى «أحمس الثاني» من وراء الأفق بزوغ نجم الفرس، فيتحد مع البابليين والليديين؛ ليقيم منهم سدا يحمي استقلال مصر. ويخونه التقدير، فيكتسح الفرس البلاد في عهد خلفه، ويدخل مصر الطاغية «قمبيز» محطما مخربا، ويكون لأخلافه الأسرة السابعة والعشرين.
ويثور المصريون على الفرس عدة مرات فيغلبون ويغلبون، ويسجل التاريخ اسم الأمير المصري «أناروس» - الذي ثار بمساعدة الإغريق على الحكم الفارسي، فانتصر أولا ثم صلب أخيرا - واسم الأمير المصري «أمرتوس» - الذي يجدد الثورة، ويستطيع أن يعلن استقلال البلاد - فيزورها المؤرخ اليوناني «هيرودوت» في ذلك العهد المستقل، ويكتب تاريخها المجيد.
ويعود الفرس فيهزمون المصريين، ثم تقوم حماسة الشعب تحت قيادة «أمرتوس» آخر؛ فيطرد الفرس ويؤسس الأسرة الثامنة والعشرين.
وتتمتع مصر بعهد استقلال في ظل هذه الأسرة والأسرة التي تلتها، وهي الأسرة التاسعة والعشرون، ويحسن حالها، وتستعيد شيئا من رخائها.
فإذا كانت أيام الأسرة الثلاثين عاد الفرس مرة أخرى لفتح مصر، فيستبسل المصريون في الدفاع عن وطنهم، فيهزمون الفرس، ويردونهم على أعقابهم خاسرين.
ويملأ ملوك الأسرة الثلاثين جو البلاد خيرا ورغدا، وترقى الصناعات وتتقدم العلوم، ولكن هذا الرخاء لا يدوم طويلا؛ إذ يعود الفرس ويهجمون على البلاد في عهد الملك «نقطنبو الثاني » - آخر ملوك الأسرة الثلاثين - فيقابلهم بجيش من المرتزقة الإغريق، الذين يخونون ويمكنون الفرس من المصريين.
ويقاسي المصريون الآلام بسبب الاعتماد على غيرهم في الدفاع عن استقلالهم، ويحصدون ثمرة هذا الإهمال المشين.
ويقر الفرس بمصر زمنا عابثين ظالمين، حتى يصرعهم «الإسكندر المقدوني» فيطردهم من مصر.
الفصل الخامس
الإسكندر والبطالسة والرومان (332ق.م-640م)
مصر الساحرة
وهناك من إقليم مقدونيا في شمال بلاد اليونان يخرج «الإسكندر بن فيليب»، فيكتسح الفرس في آسيا الصغرى وفي سوريا وفينيقيا، ثم يهبط إلى مصر، فيطرد الفرس منها، ويلتفت فإذا دولة عظيمة، وإذا آثار رهيبة، وإذا دين رائع له كهنة كالسحرة الماهرين؛ فيسحر لب الإسكندر، ويلتمس - وهو الفاتح لمصر - الرضى من الكهنة فلا يمتنعون، ويمنحونه لقب فرعون وولد آمون، ويزور واحة سيوة، فيقدم أغلى القرابين للإله آمون، ويبشره آمون بفتح العالمين. ويزحف الإسكندر من سيوة إلى البحر، فيؤسس الإسكندرية لتكون حاضرة ملكه العظيم، ويدرك المصريون إيمانه بآلهتهم، فيقدمون له الطاعة راغبين لا مكرهين. ويخرج الفتى المقدوني من مصر - وهو فرعون مصري صميم - ليحقق نبوءة الإله آمون بأن ابنه الإسكندر سيفتح الشرق القريب والبعيد.
البطالسة المصريون
وتتحقق نبوءة آمون، فينتقل الإسكندر من نصر إلى نصر، ويثل العروش بعد العروش، ويريد أن يعود إلى الإسكندرية؛ ليتخذها عاصمة إمبراطوريته العظيمة، ولكن القدر يخونه، فيموت في سن الثالثة والثلاثين في مدينة بابل.
ويترسم خلفاؤه خطواته ومراميه، فينقلون جثته إلى الإسكندرية، ويحكم مصر بالنيابة عن أخي الإسكندر وولده القائد «بطليموس»، ثم يستضعفهما فيستقل بالأمر، ويؤسس أسرة البطالسة التي تحمل ألقاب الفراعنة وأسماء المصريين.
هذا «بطليموس الأول»، ينشر العلم في أرجاء مصر، ويؤسس المتحف ومكتبة الإسكندرية، ويحشد فيها جيشا من النساخ، يكتبون ويبعون آلاف المجلدات.
وهذا ابنه «بطليموس الثاني» يشيد منارة الإسكندرية - شعار سلسلة الثقافة هذه - التي كانت تعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع، والتي كلفت خزانة مصر مائتي ألف جنيه، ثم يزيد في مكتبة الإسكندرية، فتصل مجلداتها في ذلك العهد السحيق إلى نصف مليون، وتنقلب المكتبة إلى معهد علمي عال، يتخرج فيه جهابذة العلماء الذين نقف على أكتافهم إلى الآن؛ كإقليدس صاحب الهندسة، وإيراتوسثينيس الذي قاس حجم الأرض، وهيباركس الذي وضع أول خريطة للسماء، وهيرو الذي اخترع أول آلة بخارية، وأرشيميدس الذي جاء من بلاد اليونان ليدرس في مكتبة مصر. ويأمر «بطليموس الثاني» المؤرخ المصري «مانيثون»، فيضع تاريخ الفراعنة، ويقسم عصوره إلى الأسرات الثلاثين.
ثم يلي «بطليموس الثالث»، فيقود الجيش إلى بلاد سوريا، ثم يتوغل في بلاد الفرس، فيفتح معظمها، ويعيد إلى مصر تماثيل الآلهة والأسلاب التي اغتصبها الطاغية قمبيز، وظلت في بلاد الفرس ثلاثة قرون. أليس البطالسة فراعنة مصريين؟!
ثم تتوالى سلسلة من البطالسة أشهرهم «بطليموس الخامس»، الذي أصدر أمرا نقش بالكتابتين المصريتين؛ الهيروغليفية والديموطيقية، وبالكتابة اليونانية، وعملت منه عدة صور على حجارة نصبت في المعابد الهامة؛ أشهرها الآن مفتاح اللغة المصرية القديمة المعروف بحجر رشيد.
فإذا كانت أيام «بطليموس الثالث عشر» إذا به يترك الملك لولديه بطليموس 14، 15 وأختهما «كليوبطرة» الشهيرة في التاريخ، فيحكم الأول بالاشتراك مع أخته حينا ولكنه يطردها، ويأتي «يوليوس قيصر» إلى مصر؛ ليستفيد لروما الناهضة من النزاع بين الجالسين على العرش، فإذا به يرى «بطليموس 14» مطمئنا في قصره و«كليوبطرة» تقود جيشا من أنصارها إلى الإسكندرية؛ لتستعيد نصيبها في إدارة المملكة، وتدبر «كليوبطرة» حيلة، فتظفر بمقابلة القائد الروماني، وإذا «بطليموس 14» يقتل بعد ذلك في المعركة، وإذا بكليوبطرة تتزوج من قيصر وفق الشريعة المصرية، فيعتبر قيصر بذلك فرعونا لمصر، وينجب الاثنان قيصريون أو بطليموس 16، ويعود قيصر إلى روما تتبعه كليوبطرة وطفلها، وتظل هناك حتى يقتل قيصر، ثم تعود إلى مصر فتقتل أخاها بطليموس 15، ثم تتفق كليوبطرة مع أنطونيو الذي تتزوجه فيما بعد وتنجب منه ثلاثة أطفال، ثم يتفقان على أن يحكما العالم الروماني بالنيابة عن قيصريون بن كليوبطرة من قيصر، ولكن أكتافيوس يهزمهما في موقعة أكتيوم، فتنتحر بعد بضعة أسابيع؛ خشية أن تقع أسيرة في أيدي الرومان.
مصر تنهزم ولا تخضع
ويدخل «أكتافيوس» مصر، فيعمد إلى قتل قيصريون؛ ليقضي على فكرة وراثة الإمبراطورية الرومانية، وينهزم المصريون أمام جنود أكتافيوس، ولكنهم لا يخضعون، ويغطون عار الهزيمة بأن يعتبروا أكتافيوس فرعونا جديدا لهم، على اعتبار أنه وريث «يوليوس قيصر»، الذي كان فرعونهم الشرعي بزواجه من كليوبطرة.
ويستمر المصريون يعتبرون الإمبراطور الروماني فرعونا، ويشايعهم الرومان في رأيهم، فيتوج أباطرة الرومان على أنهم مندوبون عن فراعنة مصر، فيمنحهم المصريون الأسماء والألقاب المصرية المعتادة.
ولا تؤثر الحضارة الرومانية - على شهرها وذيوعها - في مدنية المصريين الخالدة، فيواصل المصريون أنماطهم المألوفة، ويشيدون معابد الآلهة على الطراز المصري الفرعوني، ويظل الشعب بأسره على عاداته وأخلاقه القديمة كأن لم يحدث حدث.
ثم يظهر السيد المسيح في فلسطين - إحدى ولايات الإمبراطورية - وتنتشر تعاليمه فتكتسح أمامها الوثنية، وتتنصر مصر كما تنصر سائر الإمبراطورية الرومانية.
ويسلك الدين المسيحي سبيله في أرض الفراعنة، وتظل مصر ردحا من الزمن مسرحا للاضطهادات الدينية، فيفتك «دقلديانوس» بالمصريين المسيحيين، وتعرف مذابحه «بعصر الشهداء» لكثرة ضحاياها.
ويعلن «ثيودسيوس» أن المسيحية هي دين الدولة الرسمي، ثم تنقسم الدولة إلى قسمين: شرقي وغربي، وتتبع مصر القسطنطينية عاصمة القسم الشرقي؛ وهو الدولة البيزنطية، ويقاسي المصريون عذاب الاضطهادات والظلم لمخالفتهم مذهب الكنيسة الملكية بالقسطنطينية، ويأبون إلا أن يكون لهم مذهب خاص؛ هو مذهب اليعاقبة، ولم يكن هذا إلا أثرا من آثار احتفاظهم بشخصيتهم الفرعونية، فيضطهدهم الروم، ويثقلونهم بالضرائب، ويثور المصريون كلما أرادت القوة إكراههم على تغيير عقيدتهم، فيهزمون ولا يخضعون.
ويفتح «كسرى الثاني» ملك الفرس مصر، فيظل عشر سنين، ويعود الرومان ليبقوا في مصر عشر سنين أخرى، حتى يطردهم إلى الأبد «عمرو بن العاص» قائد الخليفة «عمر»، وتبدأ مصر صحيفة جديدة من حياتها، ثم يسدل الستار على تاريخها القديم، ويبتدئ فصل جديد على مسرح التاريخ المصري يلعبه ممثلون آخرون.
الفصل السادس
قائمة بأسماء بعض الكتب الهامة في الموضوع
(1)
الحضارة القديمة تأليف المرحوم الأستاذ أحمد باشا كمال. (2)
تاريخ قدماء المصريين للعلامة برستد ترجمة الدكتور حسن كمال. (3)
دليل المتحف المصري تأليف أمناء المتحف. (4)
ديانة قدماء المصريين للعلامة استندورف ترجمة الأستاذ سليم حسن. (5)
التاريخ القديم في الشرق والغرب تأليف الأستاذ محمد مبروك نافع. «تحت الطبع». (6)
الأطلس الجغرافي التاريخي تأليف الأستاذين زكي الرشيدي ومحمد مبروك نافع. «الجزء الأول». (7)
A History of the Pharaohs. 3 vols. by Arthur Weigall. (8)
A History of Egypt. 8 vols. by Wallis Budge. (9)
A History of Egypt. 3 vols. by Flinders
(10)
Historian’s History of the world (vol. 1).
ناپیژندل شوی مخ