فاعتدلت العجوز في مجلسها وقالت باسمة: حدثني بها النخاس الذي ذهب به، لقد طرق هذه الحلة مساء أمس يسأل عن أمه ليقص عليها خبره، ولعله كان يطمع أن تدفع إليه الحلوان حين يزف إليها البشرى، ولم يكن يعرف أنها قد ماتت منذ عام! ولقيته أنا فحدثني ...
قالت الفتاة منكرة: حدثك أن جانبلاط قد صار أمير ألف ؟!
قالت العجوز ساخرة: نعم، وأنه قد تزوج واحدة من بنات السلاطين ... عرفت ذلك من نخاس خوارزم نفسه!
وكانت نوركلدي في شغل بنفسها عما يتحدث به النساء حولها، لا تكاد تسمع شيئا منه، فما كاد يطرق أذنها آخر حديث العجوز، حتى اتجهت إليها تسألها في اهتمام: نخاس خوارزم كان هنا أمس؟! - نعم!
قالت نوركلدي وقد عاد صوتها أكثر اطمئنانا وأمنا: الآن عرفت أين ذهب ولدي طومان ومن ذهب به ... آه من ذلك الوحش الغليظ الذي خطف ولدي فأثكلني بعد ترمل، وتركني وحيدة في أحزاني!
ثم هتفت في عزم: لا، لن أتركه يذهب به بعيدا، سأدركه، لا بد أن يعود إلي طومان العزيز! سألقاه ... سألقاه ... سأراه ثانية ولو لفظت آخر أنفاسي على الطريق إليه!
الفصل الثاني
في بلاد الروم
كان خان يونس الرومي في ظاهر مدينة قيسارية من بلاد الروم ملتقى لكثير من تجار المشرق؛ فقد كان على طريق الغادي والرائح - من هؤلاء التجار - إلى حلب ودمشق والقاهرة، أو إلى أرمينية وبلاد الكرج وما وراء الجبال، يأوون إليه في ذهابهم، وفي معادهم، يلتمسون الغذاء والدفء والمأوى، وكان يونس الرومي - صاحب ذلك الخان - مستودع أسرار هؤلاء النزلاء جميعا؛ فإنه ليعرفهم ويعرفونه منذ سنين بعيدة، وكثيرا ما كان واسطة تعارف بين بعضهم وبعض، وكثيرا ما ربط بينهم روابط تجارية وعقد صفقات رابحة ...
وكان أبو الريحان الخوارزمي من رواد ذلك الخان، يأوي إليه بغلمانه ذاهبا وآيبا، ويفضل على الخان وصاحبه من معروفه وبذله؛ فقد كان من أغنى تجار الرقيق في شرق بلاد الروم وغربها، وكانت تجارته هذه تكفل له من الربح ما لا يحسب معه حسابا لنفقاته ... على أن يونس الرومي لم يكن يستريح إلى الخوارزمي أو يطمئن إلى رؤيته؛ فقد كان إلى بذله ومعروفه فظا غليظ القلب فيه قساوة وجفاء، ولم يكن أحد غير يونس الرومي يعرف أنه ليس تاجرا من تجار الرقيق بالمعنى الذي يفهمه عملاؤه، ولكنه نخاس يسرق أبناء الحرائر وبناتهم من أحضان آبائهم وأمهاتهم؛ ليبيعهم في أسواق الرقيق، ويزعم أنه يشتريهم من عملائه في أران، وكرمان، وخوارزم ...
ناپیژندل شوی مخ