فهم هير من نظرة التحدي في عينيها أنها مصرة على رأيها؛ لأنه كان يرى أن الآنسة فروي ما هي إلا شبح، لم يظن أن آيريس ستستفيد من أي شيء قد تحضره؛ لذا قرر أن يجدد عرضه لاحقا. أما الآن فأفضل ما يمكن أن يقدمه لها هو أن يتركها وحدها.
لكن فيما كان يهم بالمغادرة تذكر أمرا، وأشار لآيريس كي تتبعه إلى الممر.
قال معترفا: «هناك جزء صغير لم أفهمه؛ فقد تحدثت البارونة لجامع التذاكر بلكنة غريبة علي.»
صاحت آيريس بانتصار: «إذن هذا يثبت أنهما أبناء مقاطعة واحدة.» «مم! لكن هذا لا يفيدنا؛ إذ لا نعرف ماذا قالت له. سلام عليك. أراك لاحقا.»
بعد أن غادر هير، انكمشت آيريس في مقعدها، وأخذت تتأرجح مع حركة القطار. كان يمر مقعقعا خلال عدة أنفاق قصيرة متتابعة، وكان الهواء يعج بأصوات هادرة وكأنما تمر مدحاة هائلة على السماء لتبسطها. في الواقع، أصابتها تلك الضوضاء بالقلق. لم تكن قد أكلت إلا شيئا يسيرا طوال اليوم، فبدأ الإرهاق يتملك منها. لم تعتد شعور المرض؛ لذا كان الخوف يعتريها، لكنها كانت تخشى أكثر ضجيج عقلها.
أجفلت بشدة عندما ظهرت ممرضة عند الباب وأشارت للطبيب، لكنها بالكاد شعرت بالراحة لغيابه؛ فقد كانت أفكارها تتسابق في دائرة مشوشة مركزها حادثة الإغماء التي تعرضت لها. «لقد كنت على الرصيف، وفي لحظة غبت عن الوعي. أين ذهبت؟ هل كان استيقاظي في غرفة الانتظار، وتلك النسوة وذلك الحاجب العجوز المضحك حقيقيين؟ بالطبع كانوا كذلك، وإلا ما كنت لأكون على متن القطار.
لكني قابلت الآنسة فروي بعد ذلك. هم يقولون إنها من نسج خيالي، لكن إن كانت من نسج خيالي فهذا يعني أن غرفة الانتظار والقطار أيضا كذلك، وأني لست على متن القطار على الإطلاق، وأني لم أستيقظ بعد. وإن كان ذلك صحيحا فهو كفيل بأن يدفع المرء إلى الجنون.»
جاهدت لتصارع موجة الهيستيريا المتصاعدة بداخلها. «لكن ذلك غير معقول؛ فأنا مستيقظة، وأنا هنا في ذلك القطار. وهذا يعني أني قابلت بالفعل الآنسة فروي، لكني بصدد لغز ما، وعلي أن أحارب مجموعة من الأكاذيب. حسنا. إذن سأفعل.»
في تلك المرحلة، كانت قلقة على نفسها لا على الآنسة فروي. كانت مدللة منذ ولادتها؛ لذا كان من الطبيعي أن تؤثر نفسها، ولأن نفسها تلك مرحة وجذابة، فلطالما اتحد الكون كي يبقيها في تلك المكانة المميزة.
لكن الآن أنانيتها تلك كانت تتشابك مع مصير عانس مغمورة. مرة أخرى، بدأت تسترجع وقائع مقابلتهما، وفجأة زالت الغمامة التي غشت ذهنها، وبدأ جزء كان معتما في عقلها ينير.
ناپیژندل شوی مخ