كانت رباطة الجأش البادية عليها مجرد تمويه؛ إذ شعرت في داخلها بالارتباك البالغ وهي تسترخي في مقعدها. كانت بالكاد ترى لقطات من مشهد الغسق الذي يعرض خارج النافذة، أو الركاب الآخرين. ظهرت فجأة من وسط الظلال قرية، ما لبث الظلام أن ابتلعها. رأت في لمحة خاطفة مجموعة أسقف داكنة ونهرا صغيرا بدا كلطخة بيضاء يمر من تحت جسر مسقوف.
في اللحظة التالية، اختفى برج الكنيسة والبيوت الخشبية وراءهم بينما انطلق القطار السريع في طريقه إلى إنجلترا. كان يترنح ويصر في تناغم مع أفكار آيريس. «لا وجود للآنسة فروي؟ غير معقول. تلك المرأة مجنونة حتما. هل تظنني خرقاء؟ لم تقول ذلك؟ لم؟»
كان عدم وجود دافع هو أكثر ما يؤرقها؛ فالآنسة فروى شخصية ودودة غير مؤذية؛ لذا لا يوجد ما يدعو أحدا لإسكاتها، وقد كانت على علاقة طيبة بالجميع.
لكن تظل حقيقة اختفائها قائمة، فآيريس قد صارت الآن متأكدة من أنها لن تعود إلى المقصورة. وفي نوبة مفاجئة من الانفعال، هبت واقفة.
قالت مجادلة: «هي حتما في مكان ما على متن القطار. سأعثر عليها.»
لم تقر بذلك لنفسها، لكن ثقتها كانت مشوبة بصعوبة إيجاد سبب لغياب الآنسة فروي. كانت قد اكتنفت آيريس برعايتها؛ لذا فإن انسحابها بغتة ودون رجعة هكذا لا يتسق إطلاقا مع شخصيتها الودودة الفضولية.
تساءلت: «هل تظن أنني مصابة بمرض معد؟ ففي نهاية المطاف، هي تتوق بشدة للعودة إلى والديها العجوزين وكلبها، ولا تود أن تخاطر بحدوث ما يعيق ذلك؛ لذا بطبيعة الحال، ستضحي برفقتي.»
كان سيرها في ممرات القطار تجربة مريرة للغاية. كان صعبا بالفعل حينما كانت الآنسة فروي تلعب دور القاطرة وتخلي الطريق لها. أما الآن وقد مل الركاب الجلوس داخل المقصورات المكتظة وبدءوا يخرجون منها للتمشي أو التدخين، صار الممر يعج بالركاب كما يعج البطيخ باللب.
لم تعرف آيريس كيف تطلب منهم أن يفسحوا لها الطريق، ولم تحب أن تتزاحم معهم. علاوة على ذلك، لم يفت على بعض الرجال ملاحظة جمالها. كل مرة ينعطف القطار، كانت تندفع فترتطم برجل غريب متربص، كان يظن عادة أنها تحاول التودد إليه.
رغم حنقها المتزايد، كان الشعور المسيطر عليها هو عدم الجدوى. لم يكن لديها أي أمل في إيجاد الآنسة فروي وسط تلك الفوضى. في كل مقصورة تمر بها وتسترق النظر عبر نافذتها، كانت ترى الوجوه المبهمة نفسها.
ناپیژندل شوی مخ