عندما تذكرت ذلك، شعرت بالامتنان الشديد لكونها انطلقت بالفعل في طريق عودتها إلى إنجلترا. خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، مرت بمشاعر متضاربة لم تكن لتمر بها خلال حياة كاملة من الرفاهية والنظام. ذاقت شعور العجز المريع لغياب الأصدقاء والمرض والإفلاس، وانقطعت بها السبل؛ ثم عندما بلغ الأمر أشده، انقلب حظها، كما يحدث دائما.
بفعل التضاد، تحولت المواصلات العادية إلى مصدر مؤقت للنشوة. لم يعد السفر بالقطار عبئا عليها أن تتحمله بمساعدة مخففات تتمثل في الحجوزات والأزهار والفاكهة والشكولاتة والأعمال الأدبية الخفيفة وجماعة من الأصدقاء الذين يهتفون مشجعين.
بينما جلست محشورة في مقصورة غير مريحة داخل قطار تعوزه النظافة، شعرت بالحماسة كأنها تنطلق في رحلتها الأولى.
ظل المنظر حولها محتفظا بطبيعته الوحشية وطابعه الوعر. سار القطار في طريقه مارا برقع متصدعة من الأراضي بدت مثل رسمة نقشها الفنان دوريه على الفولاذ لجحيم دانتي. كانت الشلالات تشق جوانب أجراف من الجرانيت بعروق من الفضة. وأحيانا، كانت تمر برقع قاحلة تكونت فيها برك قاتمة يحفها بوص له ريش أسود داخل تجويفات مقفرة.
تطلعت آيريس إليها خلال فتحة النافذة، ممتنة لوجود لوح الزجاج الواقي؛ فقد كان ذلك المنظر المهيب حطام عالم دمرته قوى الطبيعة، وذكرها بالأثر الذي تركته للتو أولى مواجهاتها مع الواقع.
كانت لا تزال تنسحب من ذكرى الوقائع السابقة، مع أنه صار يفصل بينها وبين محطة القطار الكابوسية جبال وجبال. الآن وهي تبتعد خلف ملفات القضيب في كل دقيقة تمر، صارت تجرؤ على إدراك أنه كان يفصل بينها وبين كارثة قدر أنملة.
لا بد أنه كان هناك نسبة من أشخاص غير أمناء وسط الحشد على المنصة، الذين لم يكونوا ليتورعوا عن استغلال وضع أجنبية فاقدة للوعي - وغير قادرة على الحساب - وحقيبة يد باهظة الثمن تعد بغنيمة كبيرة، لكن الحظ وضع الحاجب الذي يشبه العفريت في طريقها.
قالت في نفسها: «دائما ما تسير الأمور في صالحي، لكن لا بد أن حظ بعض الناس مريع.»
كانت تلك هي المرة الأولى التي تفكر فيها في قدر أولئك غير المحظوظين الذين ليس براحة يدهم مربع. إن وقع حادث قطار، فهي تعلم يقينا أنها ستكون في الجزء الأوسط الذي لن يتحطم منه، كما سيكون مقدرا لبعض الركاب أن يكونوا في المقصورات التي تحطمت.
اقشعر بدنها لتلك الفكرة، فنظرت ساهية إلى المرأة التي تجلس أمامها. كانت من النوع غير المستحسن من جميع الجوانب؛ فهي في خريف عمرها، لها ملامح صغيرة غير محددة، وبشرة شاحبة، وكأنما رسم أحد وجها ثم محاه حتى كاد يختفي. كان شعرها المجعد باهتا، وبشرتها شاحبة تشبه في لونها دقيق الشوفان.
ناپیژندل شوی مخ