وقفت تضحك وتلهث من الجهد الذي بذلته، ولوحت خلف القطار المبتعد، حتى اختفى وراء منعطف الخور.
كادت تشعر بالذنب عندما غمرها الارتياح لفراق أصدقائها، لكن مع أنها قضت عطلة سعيدة، كانت تستقي سعادتها تلك في الأغلب من المصادر البدائية؛ من الشمس والمياه ونسيم الجبل. وهي في أحضان الطبيعة، كانت تكره نوعا ما تطفل البشر.
كانوا جميعا يلازم أحدهم الآخر على نحو متقارب وحميمي. في بعض الأحيان كانت تسمع أصواتا ناشزة - ضحكة عالية حادة لامرأة - أو تلحظ هيئة رجل بدين يتأهب للقفز في الماء، مع الصيحة المتكررة الطائشة: «يا إلهي!»
صحيح أنها صارت تنظر إلى أصدقائها نظرة ناقدة، لكنها مع ذلك ظلت تسبح مع التيار. على غرار باقي رفقائها، كانت تطري بحماسة المناظر الطبيعية، فيما كانت تعتبرها أمرا عاديا؛ فازدياد المناظر الطبيعية حسنا في مقابل تدني معايير الصحة العامة هو نتيجة طبيعية للسفر إلى الأماكن النائية.
أخيرا، صارت وحدها في صحبة الجبال والسكون. بالأسفل منها، كانت هناك بحيرة زاهية الخضرة، تعكس صفحتها البريق المتلألئ لضوء الشمس. وكانت تظهر معالم قمم الجبال التي تغطيها الثلوج على مسافة بعيدة لقاء السماء بلونها الأزرق الزهري. على أحد التلال، وقف ركام قلعة قديمة داكنة، لها خمسة أبراج شامخة في السماء، كأصابع مبسوطة ليد شريرة.
كانت الألوان الصاخبة حولها في كل مكان، وكانت أزهار عجيبة تكسو حديقة المحطة، تجمع بين اللونين البرتقالي الناري والأصفر، ولها أوراق مدببة. وفي نقطة أعلى المنحدر، كان الفندق الخشبي الصغير مطليا باللونين البني المصفر والقرمزي الزاهي. لقاء الجدار الأخضر للخور، تصاعدت آخر حلقة دخان، فبدت مثل ريشات بيضاء تسبح في الهواء.
بعد أن تبددت، شعرت آيريس أن آخر خيط يربطها بزمرتها قد انقطع، فأرسلت قبلة مازحة في الهواء، ثم التفت ونزلت في المسار المنحدر الحجري. عندما وصلت إلى النهر الذي يصب فيه الجليد، ظلت واقفة على الجسر تلتمس الهواء المثلج الصاعد من مياهه المتلاطمة الخضراء المشوبة بالبياض.
عندما استرجعت المشهد الذي وقع أمس، أقسمت إنها لا تريد رؤية تلك الزمرة مرة أخرى؛ فقد ارتبطوا بواقعة تنافي فكرتها عن الصداقة. كانت تكن شيئا من الإعجاب لتلك المدعوة أولجا، التي قابلت وفاءها لها بإظهارها الفج للغيرة.
نفضت عن ذهنها تلك الذكرى؛ فهنا، تحت تلك السماء الزرقاء التي لا حدود لها، تتضاءل للغاية قيمة البشر، ولا يصبح لعواطفهم قيمة تذكر. فما هم إلا محطات عابرة في رحلة المرء من مهده إلى لحده، يتقاطع سبيله معهم ثم يتركهم ويمضي، بلا أسف.
لحظة تلو الأخرى، كانت الفجوة بينها وبينهم تتسع. كانوا يتبخرون من حياتها. أيقظت تلك الفكرة بداخلها شعورا بحرية كانت حديثة عهد بها، وكأن روحها تحررت على يد السكون والوحدة.
ناپیژندل شوی مخ