وأنت يا أخي لو تدبرت بعقلك أمر الشريعة لرأيت حرمة الأموال أعظم حرمة من حرمة الدماء؛ لأن الدماء تباح بأدنى معصية، ولا تبح الأموال بالمعاصي. وقد قال الإمام أفلح رضي الله عنه: إن الدماء تباح بالمعصية ولا يحل البسط إليها إلا بالمباينة. وقال أيضا الإمام عبدالوهاب رضي الله عنه: سبعون وجها تحل بها الدماء فأخبرت منها لأبي مرداس بوجهين فقال: من أين هذا. من أين هذا؟ (¬1) .
اعلم أن من الوجوه التي تحل بها الدماء من المعاصي ولما تبلغ الشرك وجوها كثيرة كما قال الأول (¬2) :
أولها : القود في الجنايات، والحرابة، والطعن/ في دين المسلمين، والدال على عوارت المسلمين، ومانع الحق، والزنديق وتارك الصلاة، وتارك الزكاة، والمدمن على خمر. والذين قال الله عز وجل فيهم: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض....} إلى قوله: {ولن تجد لسنة الله تبديلا} (¬3) . والحامل السلاح إلى أرض العدو، وأعظم جرما من (¬4) الجاسوس. وحكم أبو بكر رضي الله عنه في أهل الردة أنه أمر بالغارة على كل حي لم يسمع فيه الأذان. والداهية العظمى حين أمر عمر أبا طلحة الأنصاري بأهل الشورى أن يقف لهم ثلاثة أيام فإن لم يستفقوا على واحد منهم أن يولوه أن يضرب أعناقهم.
فصل
ولترجع ولنتتبع هذه المعاني واحد فواحد حتى تروا وجوه الإيالة والسياسة كيف أباحت الدماء وهونت أمرها لأحكام الخليفة. وليس في الحرمات أهون من الدماء. ولا نسوغ هذه الإباحة في الفروج ولا في الأموال ولا في/ الأعراض وإنما تهاونت العلماء بأمرها هكذا نظرا إلى أنفاس الشريعة وبغيا على
مخ ۳۶۳