وذكر أن النازلة إذا نزلت واجتهد العلماء فيها، فمن اصاب الحق عند الله تعالى فله أجر اجتهاده ولا يتجاوز إليه أخطأت في رأي الحق. وإنما قصد الشيخ أبو الربيع رضي الله عنه إلى فن واحد من فنون النوازل فأوضح فيها طريقة الحق. وإن كانت وجوها كثيرة تحتمل الرأي والاختلاف والاجتهاد ليست من وجوه النوازل في شيء من الفروع والأصول، بل هي إلى/ الأصول أقرب. أولها: فنون التفسير وتفسير آيات القرآن. وذلك أن الله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين على قوم عرب. وأن لغة العرب ليست كغيرها بل هي كثيرة الفنون والشجون فساغ لهم اتباع ما ظهر لهم من ظاهر الخطاب. وقصرهم رسول الله عليه السلام على ما فهموا منه مما يحتمله الكلام ولم يقصرهم على خطاب مخصوص، بل فوض إليهم ذلك. فكل ما ذهبوا إليه مما يحتمله الكلام على مذاهب العرب ومخاطباتها فهو تفسير للقرآن ما لم يصادموا قرآنا آخر وسنة قائمة بالرد فهم معذورون فيما لم يظهر من ذلك، وهو مذهب رسول الله عليه السلام مع أمته؛ إذا نزل من القرآنت شيء صعد المنبر فتلا عليهم ما نزل فلهجت به العامة ثم نزل فدخل بيته فانفرد به الفقهاء من أصحابه فيشرع لهم الفقه في تلك الآي. فإذ لم ينفرد إلا بخاصة كأبي بكر/ وعمر وسلمان الفارسي وعلى أشباههم، ورجالات من الأنصار كمعاذ وأبي وزيد بن ثابت وأشباههم كشف لهم عن أسرار القرآن ما لا تحتمله عقول العامة. وربما تقع منه سؤالات فيسألهم عن أشياء فربما اختلفوا فأصاب بعض وأخطأ بعض فيصوب المصيب ولا يعنف المخطيء كالذي جرى له مع بعض أصحابه حين سألهم أي آية في القرآن أفضل، فقال بعضهم: يس. وقال بعضهم: سورة الإخلاص. وسكت أبي بن كعب وقال له رسول الله عليه السلام: ما تقول يا أبي فقال: الله ورسوله أعلم. فقال: إنما أسألك عن علمك لا عن علم الله ولا عن علم رسوله. فقال أبي: هي آية الكرسي. فجمع رسول الله عليه السلام أصابعه الخمسة فلزم بها صدره فقال له: ليهنك العلم يا أبا المنذر (¬1) . ولم يكن سألهم عما أخبرهم قبل هذا، ولكنه إنما سألهم عن مبلغ علمهم/ كما قال لأبي بن كعب: إنما اسألك عن علمك لا عن علم الله ولا عن علم رسوله. وكان يعجبه عليه السلام من يتأول القرآن من أصحابه كالذي وقع لعمرو بن العاص في قصة التيمم؛ وذلك أنه خرج في سرية كان عليها واليا فأجنب وأراد أن يتيمم فعذله أصحابه فأبى فتيمم وصلى بهم وقال: من أردا منكم أني يصلي فليصل.
مخ ۲۷۶