وأما غلط حاسة الذوق في المطعومات فكالذي يعرض لأهل الصفراء يذوقوم العسل فيمرار عندهم فيحلوا عند/ آخرين كما قال أبو الطيب المتنبئ (¬1) :
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرا به العذب الزلالا
وأما غلط اللمس في الملموسات فكالذي يعرض للمبرودين والمحرورين، يجد أحدهم الحار باردا والبارد حارا والسمندل (¬2) المعشش في النار وأشجار الآطام.
وأما ما يعرض من غلط الشم فكالجعل الذي يستطيب النتن ويستخبث الورد، والعرب التي تستطيب بنة الأبل الصادرة عن المسك الأذفر، فالطيب في حقه خبيث والخبيث في حقه طيب.
ولا يوثق بحاسة واحدة حتى تعضده حاسة أخرى كالنبأة يسمعها الإنسان، فإن رأى شخصا تيقن، وإلا خيف عليه الغلط والوهم. ولأمر ما جعل الله تعالى الشهادة في الأحكام عدلين اثنين بما يعرض للواحد من الوهم/ والغلط والغفلة وإن كان عليها ضروريا والله أعلم.
الرابع: من الضروريات ما يعلمه من جهة الأخبار المتواترة. وهو يتوزع بين الضروري وبين المكتسب، فبدايته كسب ونهايته ضرورة. وهذا كالأخبار عن القرون الماضية المشهورة، والقصص المعلومة المذكورة، والأمثال السائرة المأثورة. وذلك كمعرفتنا بوجود إقليم الصين والهند وخراسان والبر الكبير. والعراقات والشامات والحجاز ومكة واليمن والحرمين ومصر وأفريقيا والأندلس.
مخ ۲۱