قالت: «لقد عزمت على الرحيل من هنا إلى حيث لا أرى هاشميا ولا أسمع بهاشمي، ولكنني لا أستطيع الخروج إلا خلسة وما مقامنا هنا إلا خفية، ولو عرف هؤلاء الظالمون مقامي لأدركوني وقتلوني، ولكن بني حزم أهل جوار فقد خبئوني، جزاهم الله خيرا!»
ثم تذكرت أسماء أنها تركت بيت العجوز على غرة، فخافت أن تقلق عليها إذا افتقدتها ولم ترها ولا سيما إذا عاد محمد ولم يجدها، وزد على ذلك أنها خافت أن يجيء مروان في حين أنها لا تريد أن ترى وجهه. فنهضت واستأذنت محتجة بالذهاب إلى بعض ذوي قرابتها في أطراف المدينة.
فقالت نائلة: «لو كان لي بيت لدعوتك إليه يا ابنتي، ولكني أصبحت غريبة بين أهلي أتوقع الشر في كل لحظة. فاذهبي حرسك الله ووقاك! وإذا من الله علينا باللقاء فعسى أن أكافئك على صنيعك.»
قالت ذلك وضمتها إلى صدرها وودعتها وهي تبكي، وبكت أسماء أيضا وقد انفطر قلبها لما سمعت من كلام نائلة، وشق عليها أن تراها هكذا وقد كانت بالأمس زوجة أمير المؤمنين وصاحبة الأمر والنهي. •••
خرجت أسماء تلتمس بيت العجوز وهي تحسب أنها تعرفه، لكنها تاهت لأن البيت صغير لا يرى عن بعد، ووصلت إليه بعد لأي وقد مالت الشمس إلى المغيب، فوجدت الباب مغلقا فقرعته مرارا فلم يجبها أحد.
فوقفت تفكر فيما تفعله فلم تر خيرا من الذهاب إلى بيت علي تفتقد محمدا، فإذا لم تجده باتت تلك الليلة هناك فقد طالما دعاها للإقامة عنده، ولكنها خشيت إن هي سارت بلباس النساء أن تكون هدفا للناس في الطريق أو في فناء الدار، لأن بيت علي كان يعج بالغادين والرائحين. فأخفت نفسها، وكانت ممنطقة بكوفية فحلتها ولفت بها رأسها كما يفعل الرجال في أسفارهم، وتزملت بعباءة كانت قد خرجت بها بالأمس، وسارت صوب بيت علي فلم تبلغه إلا عند العشاء، فرأت نفرا قليلين في فناء الدار وكانت تتوقع أن ترى ازدحاما، ثم علمت أن أهل البصرة والكوفة والمصريين الذين كانت تزدحم بهم المدينة قبل مقتل عثمان، ذهبوا إلى مضاربهم خارج المدينة للمبيت. فسألت عن علي فقيل لها إنه في خلوة مع بعض الأمراء لا يدخل عليه أحد، فوقفت تنظر في الأمر فحدثتها نفسها أن تدخل المنزل فتبيت عند بعض نساء علي، ولكنها هابت الدخول عليهن وهي لا تعرفهن من قبل.
وبينما هي في ذلك رأت محمدا بن أبي بكر خارجا من الدار فتبعته، فلما رأى عباءتها ومشيتها عرفها فدنا منها وتفرس فيها، فقالت: «محمد؟» قال: «أسماء؟» قالت: «نعم، أين أنت؟»
قال: «لقد قلقت لغيابك، أين كنت؟»
قالت: «خرجت لحاجة سأقص عليك أمرها الآن. وأين هي عجوزك؟»
قال: «أتتني في الصباح وهي قلقة لغيابك، وقد قضينا نهارنا كله في البحث عنك، فشغلنا به عما نحن فيه من عظائم الأمور. تعالي معي أدخلك إلى أمي.»
ناپیژندل شوی مخ