ثم وجهوا كلامهم إلى علي وقالوا: «ابعث إلى الأشتر فليأتك.» وكان الأشتر النخعي من أشجع قواد تلك الحملة وقد أبلى في تلك الحرب بلاء حسنا، وكان لا يزال يحارب، وهم إنما طلبوا استقدامه ليكف عن الحرب. فبعث إليه فلم يأت لأنه رأى الفوز بين يديه، فإذا تحول عن موقفه فسدت أعماله.
فلما أبطأ قال أولئك الناس لعلي: «نظنك أمرته بالحرب، فابعث إليه وإلا والله اعتزلناك»، فبعث إليه ثانية فجاء وهو يقول: «أظنكم تدعونني إلى الكف عن القتال بعد رفع المصاحف؟!»
ثم أقبل وهو يقول: «يا أهل العراق، يا أهل الذل والوهن، أحين غلبتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، وهم والله قد تركوا ما أمر الله به فيها، وسنة من أنزلت عليه؟! فأمهلوني فواقا فإني أحسست بالفتح!» ولكنهم لم يمهلوه.
قال: «أمهلوني عدو الفرس فإني قد طمعت في النصر!»
قالوا: «إذن ندخل معك في خطيئتك.»
قال: «فخبروني عنكم متى كنتم محقين، أحين تقاتلون وخياركم يقتلون؟ فأنتم الآن إذا أمسكتم عن القتال مبطلون. أم أنتم الآن محقون؟ فقتلاكم الذين لا تنكرون فضلهم وهم منكم في النار.»
قالوا: «دعنا منك يا أشتر، قد قاتلناهم لله وندع قتالهم لله.»
قال: «خدعتم وانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم! يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء الله، فلا أرى مرادكم إلا قبحا! يا أشباه النيب الجلالة، ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون!»
فسبوه وسبهم، وضربوا وجه دابته بسياطهم وضرب وجوه دوابهم بسوطه. فصاح به وبهم علي: «كفوا!» وقال الناس: «قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكما.»
وطال الأخذ والرد بينهم، وأسماء واقفة وقلبها يكاد ينفطر جزعا من عناد أولئك المخالفين، فلما سمعت قبولهم إجابة الدعوة تناثرت الدموع من عينيها، والتفتت إلى علي فإذا هو مطرق وقد أخذ الغضب منه مأخذا عظيما كأنه يرى عاقبة ذلك بعينه، فتعاظم غيظها وأرادت تأنيب المستخلفين ثم أحجمت ولبثت ترقب ما يكون. •••
ناپیژندل شوی مخ