ففرح مروان وتحقق ندمها، وهم بالدنو منها ليستأنف الحديث، وإذا بالسجان دخل وقال لمروان: «إن الأمير بعث يستقدم السجينة إليه.» ثم تقدم السجان ودعا أسماء إلى المثول بين يدي معاوية، فوقفت ومسحت عينيها وخرجت فرأت خارج السجن بضعة رجال بالسيوف والحراب، فقال لهم مروان: «لا حاجة إليكم فإنها تسير غير محروسة إلى مجلس الأمير.» •••
وسارت أسماء بقدم ثابتة وقلب جريء، ومروان وراءها مبتهج القلب بما تجدد عنده من أمل في الحصول عليها، فقد كان مسحورا بجمالها وهيبتها طامعا في نيلها، ليفخر بأن قد نالها دون محمد بن أبي بكر.
وما عتموا أن وصلوا إلى قصر منيع من بناء الرومان، كان في الأصل قصرا لحاكم الشام من الروم، وعند بابه الحراس بالسيوف والحراب. فدخلت في دار رحبة ومروان أمامها يدلها على قاعة المجلس، فعرج بها حول البركة حتى دخل قاعة كبيرة فيها الوسائد والطنافس على الجانبين، وفي صدرها معاوية على مقعد وإلى جانبه عمرو بن العاص وولداه محمد وعبد الله، وبين أيديهم جماعة من الأمراء لم تعرفهم. فدخلت ووقفت ونظرت إلى الحضور نظرة فاحص بسكينة وجلال ثم وجهت نظرها إلى معاوية غير متهيبة، فنظر إليها وتأمل فيما يتجلى في وجهها من المهابة، وكانت ما زالت غاضبة وقد قطبت أسرتها وازدادت وقارا فأعجب بهيبتها وجمالها، وكان قد أعجب من قبل بشجاعتها وإقدامها. فلما وقفت بين يديه قال لها: «ما الذي حملك على الجرأة التي ظهرت منك في المسجد اليوم؟»
قالت: «إنما حملني على ذلك الحق والصدق، فقد سمعت تعريضا برجل اتهموه وهو بريء.»
قال معاوية: «وما أدراك أنه بريء وأنت فتاة قاعدة في بيتك؟»
قالت: «إني أعلم من الأمر فوق ما يعلم كل واحد منكم، وقد تحققت يقينا أن عليا أمير المؤمنين بريء مما يتهمونه به.»
فاعترضها عمرو بن العاص قائلا: «لا تقولي أمير المؤمنين، فإننا لم نبايعه.» فقالت: «إن لم تبايعوه أنتم فقد بايعه سواد المسلمين في المدينة والبصرة ومصر وسائر الحجاز، وهو ابن عم الرسول وأحق الناس بهذا الأمر.»
فقال عمرو: «أراك تحكمين في أمور تجهلينها، فلو أجمع الناس على بيعته ما اضطر إلى الحرب وسفك الدماء. يكفيه أنه كان السبب في قتل الخليفة عثمان الذي أصبح دمه طليعة ما سفك وسيسفك من الدماء.»
فنظرت أسماء إلى عمرو وقالت: «ألست ابن العاص؟» قال: «نعم».
قالت: «ألم تكن أول ناقم على ذلك الخليفة المقتول لأنه عزلك عن مصر وولاها أخاه عبد الله؟ ألم تفرح بقتله؟ ولكن الدهاء أبعدك والناس يعرفون القاتل أو الساعي في القتل.» قالت ذلك وقد ظهر التأثر في وجهها مما بدا عليه من الامتقاع.
ناپیژندل شوی مخ