115

قریشو نجلۍ

عذراء قريش

ژانرونه

وقعة الجمل

قضت أسماء في الدير أياما تتقلب على فراش الوجع والقلق، ولا تدري إذا هي شفيت هل تسير إلى دمشق لمقابلة القسيس أم إلى أم المؤمنين لأداء مهمتها. وكانت تتململ لانحباسها في الدير فلم تستطع الوقوف والخروج إلى فناء الدير إلا لتتمرن على المشي.

وصعدت ذات يوم إلى سطح الدير فأطلت منه على سهل واسع رأت في آخره مما يلي البصرة معسكرا فيه الخيام والأعلام وحوله الجمال ترعى في بعض المغارس ومعها العبيد، فعلمت أنه معسكر أم المؤمنين في ضاحية البصرة. وكان الوقت أصيلا فجعلت تفكر فيما تنويه من مخاطبة أم المؤمنين، وما تتوقع أن تسمعه من دفاعها وتهيئ الرد عليه. وبقيت غارقة في تصوراتها حتى مالت الشمس إلى المغيب، فنظرت إليها وقد كبر جرمها وتكورت ومالت إلى الاحمرار، فاشتغلت بالنظر إلى الأفق والتمتع بذلك المنظر البديع، ولم تكد تغيب الشمس حتى أحست بالبرد فدخلت تلتمس الدفء في الفراش، فباتت تلك الليلة وهي تتوقع أن تصبح ناقهة فتنظر هل تسير إلى معسكر أم المؤمنين أم إلى الشام.

فلما أصبحت شعرت بنشاط، ولكنها لم تأنس من نفسها القدرة على ركوب الجمل أو الجواد، فلم تر بدا من الاصطبار حتى يتم التئام الجرح وتتقوى، فالتمست من رئيس الدير أن يأذن لها في الخروج للرياضة في بساتين الدير، فأذن لها فخرجت وحدها إلى البستان تمشي الهوينى، فابتعدت عن الدير مسافة طويلة وهي لا تدري، فانكشف لها من الأفق قسم كان مستترا وراء التلال، فرأت فيه خياما وأعلاما وجمالا وعبيدا. وما كادت تتفرس في ذلك الحشد العظيم حتى علمت أنه معسكر الإمام علي فخفق قلبها، ومشت قليلا حتى دنت من أكمة صعدت إليها وجعلت تتأمله ونفسها تحدثها بالذهاب إليه لعلها ترى محمدا فيه أو تسمع شيئا عنه. على أنها تشاءمت من قدوم جيش الإمام لأنه نذير الحرب.

وبينما هي هكذا إذ سمعت صوت رجل يزجر جملا على مقربة منها، فالتفتت فإذا ببعير سائب يعدو ورجل يركض في أثره يستنجد الناس ليعينوه على القبض عليه، فلم يسع أسماء السكوت مع ضعفها فاعترضت الجمل ليرجع، وكان قد جمح ولكنه ظل مسرعا في سبيله فركضت نحوه وتعلقت بعنقه لأنه لم يكن له رسن، فظل راكضا وأسماء ممسكة عنقه بذراعيها كأنها تحاول الصعود إلى ظهره، ولكنها ما لبثت أن شعرت بخور قواها وأحست كأن شيئا تمزق في مكان الجرح، واشتد بها الألم حتى لم تعد تستطيع صبرا عليه. وكان البعير في أثناء ذلك قد قلل سرعته فأدركه صاحبه وأمسك بعنقه حتى أناخه، فسقطت أسماء إلى الأرض لا تعي شيئا من شدة الألم.

وكان صاحب البعير شابا من عبد القيس إحدى القبائل التي أنجدت عليا وجاءت معه للحرب، فلما رأى أسماء ساعدته في القبض على بعيره ثم رأى ما ألم بها من التعب حتى سقطت خائرة القوى، شعر بأنه السبب فيما أصابها فدنا منها وأجلسها وقد بهره جمالها وأعجبته هيئتها فكلمها فأفاقت ويدها على جنبها تتقي الألم. ولما رأت ذلك الغريب بجانبها علمت أنه صاحب البعير، أما هو فحالما نظرت إليه هابها ولم يسعه إلا الاعتذار عما أصابها بسببه.

أما هي فتجلدت وضغطت جنبها بيدها واغتنمتها فرصة لاستطلاع أمر ذلك الجند، فقالت له: «ممن أنت؟» قال: «من عبد قيس.»

قالت: «ومن هؤلاء الجند الذين أمامنا؟»

قال: «أما سمعت بما قام بين الإمام علي وأم المؤمنين؟»

قالت: «سمعت وعلمت، وهل هذا الجند هو جند الإمام علي؟»

ناپیژندل شوی مخ