ضمير المستقبل.
وقدمت أيضا خدمة لأبناء بلادي، فمثلت لهم شدة أحكام الحكام وقساوتهم في التنفيذ، حتى لا يقوم غر جاهل يجني على البلاد بمثل ما جنت أهالي دنشواي.
وجرم جره سفهاء قوم
فحل بغير جانيه العقاب
ط. حقي
السيدة زينب في 15 يوليو سنة 1906
الفصل الأول
نسمات الأصيل
ألقت الشمس بسكون أشعتها الذهبية في أصيل يوم يونيو سنة 1906 على «قفة» دقيق كانت فوق رأس فتاة تناهز العشرين من عمرها، طويلة القامة، ممتلئة الجسم، مفتولة الساعدين، مقرونة الحاجبين، يميل لون بشرتها إلى الصفرة أكثر منها إلى السمرة، وكان في أسفل شفتها السفلى شجرة صغيرة مرسومة بالوشم الأخضر مما زادها جمالا! ولقد راعت الشمس عواطف القرويين، وهي أمهم التي يقدرون مقامها، ويكادون يعبدونها؛ لأنها سر حياتهم، وسبب من أكبر أسباب معاشهم، فأبت أم الكون أن تفارق سماء «دنشواي» بدون أن تودع وتحيي أرق وأطهر فتاة تحتها، فعمدت إلى أشعتها فألقتها على وجه العذراء في سيرها كما يلقي المحب يده على وجنة محبوبته في مداعبتها!
وبعد غروب الشمس تماما ظهرت سماء الغرب بلون العاشق المفارق، فجلست الفتاة بردائها الأسود القذر وبقلبها الأبيض النقي على أكمة من التراب، بعد أن وضعت قفتها بجانبها، وصارت تلعب بيديها في قليل من الحصى وبعض «كوالح الذرة» ... وكان منظر جلوسها وهيئتها وسكونها يدل على أنها في انتظار إنسان، وبعد لحظة رأت عن بعد شبحا يقوم يقعد، فلما تأملته جيدا أفتر ثغرها عن لؤلؤ منظوم تمنت ابنة الذوات أن تكون هي المتحلية به، ثم قالت: آه ... هو هو محمد العبد بيصلي المغرب.
ناپیژندل شوی مخ