8
أصدر كوارلز توجيها إلى نائبه المختص بإدارة البرامج، هايد جيليت، لتشكيل لجنة تقترح طريقة للتخلص من اللجان القائمة. ومنحت إجراءات جيليت التي تمخضت عنها هذه اللجنة سلطات واسعة لشريفر، مؤكدة على أن مؤسسته ستصبح مسئولة حصريا عن تخطيط وإدارة برامج تطوير الصواريخ الباليستية في القوات الجوية. وقلصت هذه الإجراءات عدد هيئات الفحص والمراجعة من اثنتين وأربعين هيئة إلى عشر هيئات، وعينت الإجراءات مستوى واحدا في منح الموافقات الرسمية داخل القوات الجوية، باسم لجنة الصواريخ الباليستية، مع وجود مجموعة مماثلة تمارس السلطة النهائية على مستوى وزير الدفاع. وفي ظل هذه الترتيبات، مضى مشروع «ثور» قدما بسرعة فائقة.
مع ذلك، كان الصاروخ «ثور» يتطلب الحصول أولا على موافقة رئاسة الأركان، وهنا واجه مزاحمة من جانب الجيش. كان رئيس إدارة التسليح في الجيش قد تلقى مقترح فون براون بعد أن رفضه شريفر، داعيا إياه إلى تطوير صواريخ باليستية متوسطة المدى يستخدمها الجيش. وكان هذا الصاروخ، الذي يحمل اسم «جوبيتر»، مماثلا للصاروخ «ثور» تماما، وهو ما أثار مسألة إهدار الموارد في إنتاج صواريخ متشابهة. وكان من الواضح أن «جوبيتر» يتمتع بميزات، نظرا للخبرة التي لا تضاهى التي كان يتمتع بها فريق عمل فون براون، في حين عينت شركة «ردستون آرسنال» مجموعة أفراد من داخل الشركة اتضحت كفاءتهم الفنية من خلال تطوير نظام توجيه يعتمد على القصور الذاتي للصاروخ «ردستون». لكن، في هيئة الأركان المشتركة رأى رئيس أركان الجيش، الجنرال ماكسويل تايلور، أنه لا يمكن إحراز تقدم إلا من خلال التوافق مع نظيره في سلاح البحرية، الأدميرال أرليه بيرك. وكان بيرك يرغب في إطلاق صواريخ بحرا، بيد أن الصاروخ «ثور» لم يكن يفي بهذا الغرض؛ فلم يكن طوله البالغ خمسا وستين قدما يسمح بدخوله غواصة. ونظرا لأن الصاروخ «جوبيتر»، الأقصر طولا والأكثر سمكا، كان يفي بالغرض على نحو رائع، أمكن لهذا الاستخدام المزدوج أن يعالج مسألة إهدار الموارد المثارة في البنتاجون. وفي إطار موافقة وزير الدفاع ويلسون على هذه الترتيبات، أصدر ويلسون قرارا في 8 نوفمبر تضمن توجيها بالمضي قدما في «ثور» و«جوبيتر». بالإضافة إلى ذلك، كان من المقرر أن يحظى كلا البرنامجين الجديدين بنفس الأولوية القصوى التي كان يحظى بها الصاروخ «أطلس».
سباق الصواريخ: الصواريخ «أطلس» و«تايتان» و«ثور» و«جوبيتر» و«آر-5» و«آر-7» (دان جوتييه).
على الرغم من ذلك، واجه كلا البرنامجين في البداية احتمالات مختلفة للغاية؛ فقد وجد قائد برنامج الجيش، الميجور جون مداريس، نفسه شريكا مع البحرية، ولم تبرهن البحرية على رغبتها في التجاوب؛ إذ سرعان ما تبين أن فكرة تخزين وقود صاروخي سائل ومناولته في غواصة بحرية تتخطى اهتمامات البحرية، وسرعان ما أسقط أدميرالات البحرية مشروع الصاروخ «جوبيتر» من اعتباراتهم في غضون أشهر. بالإضافة إلى ذلك، واجه مداريس مشكلة مع المحركات؛ إذ كان مداريس سيستخدم المحرك نفسه المزمع استخدامه في الصاروخ «ثور»، لكنه كان من المحركات المملوكة للقوات الجوية، واستغرق الأمر فترة من الوقت قبل أن يتمكن من شراء محركات الصواريخ مباشرة من شركة «نورث أمريكان»، وهي الشركة المصنعة لهذا النوع من المحركات. حتى ذلك الحين، كان عليه أن يذهب إلى شريفر، وفي حوزته جميع الأوراق اللازمة، ويحصل على ما يستطيع الحصول عليه.
لكن، كان شريفر في تلك الأثناء في مانجمنت هيفن، وكان يدير أهم برامج تطوير الأسلحة في البلاد، ويتمتع بجميع الصلاحيات التي قد يريدها، وكان نفوذه آخذا في الاتساع. وفي وقت مبكر من عام 1955، أضاف مشروع «تايتان» الذي كان مشروعا مكملا لمشروع «أطلس»، وكان على وشك تولي مشروع قمر «دبليو إس-117إل»، وكان سيضم الصاروخ «ثور» أيضا إلى القائمة. بالإضافة إلى ذلك، كانت شركتا «دوجلاس إيركرافت» و«بيل لابس» تتسابقان للحصول على العقود التي ستمكنهما من بناء هذا الصاروخ، وكانت الشركتان قد عملتا معا باعتبارهما شركتين من الشركات المتعاقدة الرئيسية في مشروع «نايكي» للصواريخ المضادة للطائرات التابع للجيش، وكان المديرون في كلتا الشركتين مهتمين بمشروع الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى الجديد.
لم يستطع شريفر استغلال نفوذه في منح عقود مباشرة؛ إذ كان يتعين عليه الاعتماد على مناقصات على درجة كبيرة من التنافسية، لكنه كان يستطيع الاختيار مسبقا بين الشركات المتنافسة، ودعا شركتي «نورث أمريكان» و«لوكهيد» إلى إعداد عرضيهما. وبعد عيد الشكر مباشرة، أرسل البنتاجون رسالة تلغرافيا إلى مكاتبه نصت على الآتي: «صدرت الموافقة على البرنامج، امضوا في تنفيذه بأقصى سرعة.» وسرعان ما أجرى نائب شريفر، الكولونيل تشارلز تريون، عددا من الاتصالات الهاتفية التي جرى الإعداد لها طويلا مع مسئولين تنفيذيين في شركات الطائرات الثلاث، والتقى بجميع المسئولين التنفيذيين وشدد على أن ترواكس وثيل كانا قد حددا الملامح العامة للصاروخ «ثور». ومثلما يتذكر تريون: «ستحصل الشركة المتعاقدة على المحركات ونظم التوجيه والمقدمات المخروطية المحددة، وستتولى جانبا كبيرا من عمليات التكامل والتصنيع. ستحصل على جميع مستلزمات المشروع، ومن ثم يتعين عليها إطلاعنا على الطريقة التي سوف تنتهجها في تنفيذ المشروع.» وأشار إلى «ثور» باعتباره «برنامجا على أقصى درجة من الخطورة». ثم أشار زميلان إلى جوهر الأمر بقولهما: «لن يكون ثمة وقت لارتكاب أخطاء.»
أمهلت الشركات أسبوعا لإعداد عروضها حسبما يقول تيرون، ثم أشرف تيرون على لجنة اختيار المصدر، وهي اللجنة المختصة باختيار الشركة المتعاقدة. وفازت شركة «دوجلاس» بالعقد، ولم يكن هذا الأمر مفاجئا، ثم مضى تريون إلى واشنطن للحصول على الموافقات اللازمة؛ ولم يستغرق الأمر إلا يومين للحصول على تلك الموافقات، من المسئولين الذين كان من بينهم عضو هيئة الأركان الجوية وقائد القوات الجوية كوارلز. وكانت شركة «دوجلاس إيركرافت» قد شكلت إدارة المشروع، التي كان من بينها أحد خبراء مشروع «نايكي»، وهو جاك برومبرج، الذي كان من المنتظر أن يتولى إدارة المشروع الجديد، وكان العاملون في المشروع يطلقون عليه «ثورهيد».
قبل أن ينقضي عام 1955، استجاب مسئولو شركة «دوجلاس» إلى طلب رسمي للإعلان عن أنفسهم، من خلال وضع ختم الشركة الرسمي، بموجب التوقيع على العقد. ولم يكن قد مضى إلا سبعة أسابيع فقط على إصدار وزير الدفاع ويلسون أوامره بالمضي قدما في المشروع، وهو إيقاع سيظل مستمرا. ومثلما أشار شريفر في حديثه عن الأمر: «لم يكن يتوافر لدينا دوما محامون محترفون نستشيرهم، وفي كل مرة نقرر فيها فعل شيء ما، لا يكون لدينا رأي قانوني مطول نتجادل حوله. وكنت أملي على أية شركة من الشركات المتعاقدة ما تفعله وما لا تفعله، وكانت تنصاع لأوامري، ثم تتخذ بعد ذلك الإجراءات الإدارية.»
في تلك الأثناء، كانت البلاد تباشر تنفيذ أربعة مشروعات كبرى في مجال الصواريخ، وهي «أطلس» و«تايتان» و«ثور» و«جوبيتر». وفي الوقت المناسب، كان من المنتظر أن يظهر كل صاروخ باعتباره صاروخا معززا فضائيا، إلا أن الاهتمام كان منصبا في ذلك الوقت على الأسلحة النووية. وكانت ثمة منافسة أيضا في هذا المجال؛ إذ صار للمختبر النووي في لوس ألاموس منافس، هو مختبر «لورانس ليفرمور»، الذي أسسه إدوارد تيلر. وقاد هارولد أجنو - وهو مصمم أسلحة، خلف نوريس برادبري في رئاسة مختبر لوس ألاموس - برنامج تطوير كان ينافس ليفرمور في تصميم الرءوس الحربية للصواريخ الجديدة. وصار هارولد براون، نظيره في ذلك المختبر المنافس، وزير الدفاع في إدارة جيمي كارتر.
ناپیژندل شوی مخ