يرى هذا الكتاب أن المحطات المدارية تنطوي على عوار كبير؛ إذ إن تكلفتها تفوق كثيرا تكلفة الخدمات التي يمكن أن تقدمها. وينطبق هذا الانتقاد على المكوك الفضائي أيضا؛ ومن ثم، لا يمكن توقع أن الرحلات المأهولة ستعقب المركبات الفضائية غير المأهولة في الدخول إلى المجال التجاري، حيث يلتفت المشترون المحتملون إلى البعثات الفضائية لأنها تحقق عوائد قيمة. وبدلا من ذلك، ستظل المحطة الفضائية والمكوك الفضائي مسلاة للحكومات، يسعى إليها لتحقيق ميزة سياسية.
لكن، ربما تتداعى هذه الميزة أمام توجه حديث مهم، تندمج فيه برامج الفضاء الأمريكية والروسية في مشروع عالمي واحد. وبالفعل، تروج شركة «لوكهيد مارتن» لمركبة إطلاق روسية، تسمى «بروتون»، بينما تحتوي نسخة جديدة من صاروخها «أطلس» على محركات روسية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الدولتان إلى إقامة محطة فضائية كمشروع مشترك، وهو مشروع قد يضخم من حقيقة أساسية في عصرنا، وهي أن الحرب الباردة أفسحت المجال لعصر جديد من التعاون الدولي؛ ويعمل هذا التوجه حاليا على إحياء الأمل في إمكانية أن يكون القرن القادم حقا قرنا يسوده السلام.
الفصل الأول
أسلحة ووندر ومعسكرات الاعتقال
علم الصواريخ في عصر ستالين وهتلر
كان الوقت ظهرا في أحد أيام الخريف الصافية، في أوائل شهر أكتوبر من عام 1942 المعروف بعام الحرب. في بينامونده، وهو مركز صواريخ على ساحل بحر البلطيق في ألمانيا، وقف صاروخ جاهزا للإطلاق، بدا أشبه بمركبة فضائية تقليدية؛ كان رفيعا وطويلا وهيكله مستدق الطرف، ومثبتة في ذيله زعانف أنيقة. وكان يحيط بخزان الأكسجين السائل فيه شريط من الصقيع الأبيض، مخفيا على نحو جزئي النقوش البارزة المطلية بالأبيض والأسود التي تقسم سطح الصاروخ إلى أرباع دائرة، وتمر كابلات كهربية من قطب مجاور إلى مقبس قرب مقدمته. وباستثناء ذلك، كان الصاروخ يقف وحيدا في العراء.
فجأة برزت سحابة من فوهته، يلفها شرر من جهاز إشعال، وسرعان ما تحول الشرر إلى لهب، ثم إلى عادم أصفر مائل إلى الحمرة، وتجمع الدخان قرب قاعدة الصاروخ. انفصلت الكابلات وسقطت إلى أسفل، وحال لون اللهب سريعا إلى الأبيض المائل إلى الصفرة، وبدا نظيفا في مظهره، يضاهي الشمس في لونه وشدته. ومع سطوع الشمس، ارتفع الصاروخ وسرعان ما زاد من سرعته وتحليقه إلى أعلى.
كان إرنست شتولينر، وهو اختصاصي في توجيه الصواريخ، يتابع عمليات الإطلاق هذه على مسافة قريبة تصل إلى خمسمائة قدم، ويتذكر تلك العمليات قائلا: «كنا نشعر بحرارة الصاروخ على وجوهنا بمجرد تصاعد اللهب، وكان الصوت مدويا، ولم نكن نسمع بآذاننا فقط بل نستشعر الأمر بكامل أجسامنا وحواسنا كما لو أن الجلد كله طبلة أذن تهتز. وارتفع الصاروخ في سلاسة تامة، وتحرك كما لو أن شيئا لم يكن موجودا على الأرض. وتزايدت سرعة الصاروخ، بينما تطاولت ألسنة اللهب، وشق الصاروخ طريقه إلى أعلى في خط مستقيم، ثم بدأ يميل في سلاسة بالغة، وانطلق أعلى بحر البلطيق، كما لو لم تسبق ذلك أية حركة أخرى.»
1
ثم جاءت لحظة حرجة عندما انطلق الصاروخ بسرعة الصوت. لم تضطرب حركة الصاروخ بل واصل الانطلاق بدقة. وفجأة، وقعت الصدمة! تكون خط أبيض طويل خلف الصاروخ، وبدا شديد الوضوح على خلفية السماء الزرقاء. لم يكن هذا انفجارا، بل ذيلا من الدخان، تكون على نحو طبيعي نظرا لتكثف العادم في طبقات الهواء العليا الباردة. وضربت رياح عاتية، انتشرت على ارتفاع هائل، الذيل سريعا فبددته في صورة خط متعرج.
ناپیژندل شوی مخ