كان كيوورث قد اقترح وضع موضوع المحطة الفضائية بين يدي مجموعة عليا مشتركة جديدة تكون معنية بشئون الفضاء، وهي لجنة على مستوى وزاري يرأسها بنفسه. اعترض جيل راي مسار الخطة قبل وصولها إلى ريجان وتحدث إلى رئيسه ويليام كلارك الذي كان يدعم ناسا؛ قال راي لاحقا: «كنت أريد أن أضمن سيطرتنا على أجندة الفضاء وليس على المستشار العلمي.» قرر كلارك أن يكون راي رئيس اللجنة بدلا منه، وحرم كيوورث من حق الانضمام إلى اللجنة كأحد الأعضاء الذين لهم حق التصويت. استبعد أيضا صوت ستوكمان، الذي كان يرأس مكتب الإدارة والموازنة. جاء تشكيل اللجنة العليا المشتركة الناتج موافقا لرأي بيجز ولاقى استحسانه.
في تلك الأثناء، كانت مجموعة عمل المحطة الفضائية التابعة لناسا توسع من دائرة تبرير البرنامج. ربما كان إصلاح الأقمار الصناعية، وهو هدف مركز عمليات الفضاء، عملا أحمق؛ حيث كانت الإلكترونيات الحديثة تمنح المركبات الفضائية عمرا افتراضيا أطول. عندما كانت إحداها تعطب، لم يكن يصعب إطلاق بديل لها. إذا كان من المقرر أن تكون المحطة مركز صيانة، فلا بد أن تبرهن على توفيرها النفقات، وهو ما سيقود الوكالة مرة أخرى إلى مستنقع تحليل التكلفة والفائدة. لكن، استطاعت ناسا استبدال هذا الغرض بغرض آخر، وهو إجراء بحوث في حالة انعدام الجاذبية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تطورات ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الطب، وربما الإلكترونيات أيضا. جدير بالذكر أن شركات صناعية عديدة كانت قد بدأ يكون لها نشاط فعلي في هذا المجال.
كان النمو البلوري محل اهتمام خاص، لا كعلاج عصري بل كتمرين أساسي في علم الأحياء الجزيئي. كان العلماء يعرفون أن الوظيفة في هذا المجال يجب أن تتبع الشكل؛ حيث تحدد التفاصيل المحددة لشكل جزيء كيفية عمله داخل إحدى الخلايا. لمعرفة شكل الجزيء، كان الأمر يتطلب تشكيل بلورة جيدة من المادة قيد الدراسة، ثم فحصها باستخدام شعاع قوي من أشعة إكس؛ وهذا من شأنه توفير بيانات يستطيع الكمبيوتر تحليلها، موضحا الشكل الجزيئي. تضمنت الجزيئات محل الاهتمام الأحماض النووية والإنزيمات والبروتينات الأخرى، التي لم يكن أي منها يكون بلورات على الفور. كانت عملية النمو البلوري دقيقة، تختلط نتائجها بسهولة بسبب آثار ناجمة عن الجاذبية، ولم يكن ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن انعدام الجاذبية سيساعد في تفادي هذه الآثار.
كانت أجهزة الكمبيوتر وعمليات الأتمتة قد انتزعت كثيرا من المهام من نماذج المحطات الفضائية مثل النموذج المنشور في مجلة «كوليرز»، بيد أن النمو البلوري وفر عملا للمحطة الفضائية التي كان من المتوقع أن تقدم أجهزة الكمبيوتر المثلى أفضل ميزة فيها. كان من المقرر أن تتولى أجهزة الكمبيوتر المهمة الأكثر إلحاحا المتمثلة في تحديد بنية جزيئية مفصلة. استعان عالم البلورات ماكس بيروتس بأجهزة الكمبيوتر الأولى، لكنه ظل يجاهد من عام 1937 إلى عام 1967 لحل بنية الهيموجلوبين، محددا موضع كل ذرة من ذراته البالغ عددها عشرة آلاف ذرة. قضى بيروتس خمسة عشر عاما ليحدد فقط كيف يتناول هذه المسألة، وهو اكتشاف أدى في حد ذاته إلى فوزه بجائزة نوبل؛ حيث قضى بعد ذلك خمسة عشر عاما أخرى في تنفيذ طريقة الحل. مع ذلك، أظهرت هذه البنية بوضوح - عند تحديدها - كيف يمتص الهيموجلوبين الموجود في كرات الدم الحمراء الأكسجين ويطلقه، وتمكنت أجهزة الكمبيوتر الحديثة من حل هذه المشكلات في غضون أسابيع، في حال كانت البلورات جيدة بالقدر الكافي.
بالنسبة إلى ناسا، كان ثمة مشروع آخر بشر بميزة تجارية. تضمن هذا المشروع شراكة بين شركتي «ماكدونل دوجلاس» و«أورثو فارماسوتيكالز»، يعود تاريخها إلى عام 1980، وكان الهدف من هذه الشراكة هو إنتاج بروتين يحمل اسم «إريثروبويتين». يحاكي الإريثروبويتين نمو خلايا الدم الحمراء؛ كان تصنيعه يتم في الكلى، وكان نقصه يسبب الأنيميا. كان أفضل أسلوب إنتاج متوافر بالفعل حساسا للغاية تجاه الجاذبية، وكان لهذه الشراكة السبق في إثبات أن انعدام الجاذبية يؤدي إلى تحسن هائل. أسفر اختبار مبدئي على متن البعثة الرابعة للمكوك الفضائي، الذي استقبله ريجان عند عودته، عن ناتج يزيد بمقدار أربعمائة مرة، ودرجة نقاء تزيد بمقدار خمس مرات. أكدت ثلاث رحلات تالية خلال العام التالي لذلك العام هذه الفوائد، بينما أظهر أفضل اختبار عن زيادة بمقدار 700 ضعف في الناتج. حتى ذلك الحين، كانت التجارب الإكلينيكية لا تزال حدثا مستقبليا، كذلك الاحتمال المدهش حقا الذي أشار إلى أن الفضاء ربما لا يخدم مجال الأبحاث فحسب، بل قد يخدم أيضا الإنتاج الروتيني للمنتجات ذات القيمة التجارية.
كانت ثمة شركات أخرى مهتمة أيضا بهذا الموضوع، كان من بينها شركتان ناشئتان؛ «مايكروجرافيتي ريسرش آسوشيتس» و«مايكروجرافيتي تكنولوجيز»، تعملان في تنفيذ خطط معالجة أشباه الموصلات في الفضاء مثل جاليوم آرسنايد، المستخدم في الإلكترونيات الدقيقة. كانت شركة ثري إم بصدد وضع برنامج مدته عشر سنوات لإعداد البلورات العضوية والأفلام الدقيقة من خلال سلسلة من الرحلات المكوكية. كان ثمة نشاط أيضا في شركتي «جون دير» و«بيت لحم للصلب» المنخفضتي التقنية؛ حيث كان الباحثون يأملون في دراسة عملية تصلب الحديد في حالة انعدام الجاذبية.
رفع كريج فولر، وهو أحد معاوني البيت الأبيض، هذه الأمور إلى عناية ريجان خلال عام 1983. كان الرئيس لديه آمال كبيرة بشأن ناسا؛ فقد كان ينظر إلى برنامج الفضاء باعتباره تعبيرا عن نظرته المتفائلة بشأن بزوغ الصباح في أمريكا. تعهد الرئيس تعهدا قويا على الجانب العسكري في شهر مارس آنذاك، بالإعلان عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي كانت تهدف إلى حماية البلاد من الصواريخ السوفييتية. في مستهل شهر أغسطس، رتب فولر للرئيس استضافة اجتماع غداء لمجموعة من المسئولين التنفيذيين الذين كان يطمحون إلى تنفيذ أنشطة تجارية في الفضاء. أخبروه أن المحطة الفضائية من شأنها أن تشجع على هذه الأنشطة، وعقب ريجان قائلا: «أنا أيضا أريد محطة فضائية. كنت أريد محطة فضائية منذ وقت طويل.» لم يتعهد بأي تعهدات، لكنه خرج من الاجتماع منبهرا ومفتونا بما جاء على لسان ضيوفه وأخبروه به.
مع ذلك، كانت المحطة تمثل مشكلة حقيقية في إطار المجموعة العليا المشتركة المعنية بشئون الفضاء، وهي مجموعة المراجعة المشتركة بين الوكالات؛ فقد بذل جيل راي كل ما في وسعه لترتيب الأمور سرا لصالح ناسا، بيد أن الكيانين العسكري والاستخباراتي كانا ممثلين بكثافة في اللجنة. وكان ويليام كيسي، الذي كان يرأس وكالة الاستخبارات المركزية، معارضا للمحطة؛ إذ لم يكن يرى حاجة إليها. كانت ثمة معارضة أيضا من هيئة الأركان المشتركة ومن كاسبار واينبرجر، وزير الدفاع، للسبب نفسه. كان هذا الأمر مثار قلق من ناحيتين. كان واينبرجر أكثر أعضاء الحكومة نفوذا؛ كانت علاقته بريجان تعود إلى الفترة التي ترأس فيها ريجان ولاية كاليفورنيا، وعلى الرغم من أن دعم القوات الجوية قد سمح لناسا بمعاودة العمل في برنامج المكوك الفضائي في عام 1972، كان على بيجز الآن محاولة المضي قدما في المحطة في مواجهة المعارضة الصريحة من جانب البنتاجون.
صار بيجز مهددا بأن يجد نفسه دون دعم أو مساندة من أحد، وكان منتقدوه مترقبين حدوث ذلك الأمر. كان على رأسهم السيناتور ويليام بروكسماير، أحد المنتقدين اللاذعين لناسا، الذي كان قد رد بفظاظة على مؤيدي المحطة الفضائية قائلا: «أخشى أن يمضي البرنامج قدما بغض النظر عن وجود حاجة فعلية إليه؛ لأن وكالتكم تحتاج إليه أكثر من احتياج البلاد. كنت أعتقد منذ وقت طويل أن وكالتكم لديها تحيز قوي تجاه المشروعات الكبيرة والباهظة لأنها تبقي مراكزكم مفتوحة وتستبقي موظفيكم.»
3
ناپیژندل شوی مخ