أدخلت «جامبت» أيضا اتجاها جديدا نحو المركبات الفضائية الأكبر حجما وصواريخ التعزيز الأكثر قوة. كانت برامج «كورونا» و«أرجون» و«لانيارد» جميعها تستخدم نماذج متنوعة من صواريخ «ثور-أجينا»، بيد أن «جامبت» استخدمت في البداية نموذج «أطلس- أجينا»؛ ثم في منتصف عام 1966، دخل الصاروخ «تايتان 2» الخدمة، وبدأ في إطلاق نموذج جديد من «جامبت» كان يحمل كاميرا محسنة، «كيه إتش-8». في الوقت نفسه، كانت مركبة «كورونا» القياسية تتلقى اللمسات النهائية لكن مع نظام كاميرات آخر، وهو «كيه إتش-4 بي»؛ استخدم هذا النظام نماذج جديدة من الكاميرات يزيد فيها مستوى الدقة من عشرة إلى خمس أقدام، وذلك بدلا من الكاميرات السابقة طراز «كيه إتش-3». حملت كاميرا «كيه إتش-4 بي» على متن البعثة رقم 120 للمرة الأولى في سبتمبر 1967، ومن خلال عملها إلى جانب مركبات «جامبت» الجديدة، واصلت مركبات «كورونا» هذه الطيران حتى عام 1972.
ما الذي كانت تعرضه الكاميرات؟ كانت الكاميرات تصور جميع مجمعات إطلاق الصواريخ الباليستية السوفييتية، متتبعة الصواريخ الموجودة بالفعل فضلا عن الصواريخ الجديدة خلال عمليات التطوير والنشر. على وجه التحديد، اكتشفت الكاميرات ورصدت مرارا وتكرارا مركزا كبيرا في بليستسك، قرب مدينة أرخانجيلسك الشمالية. كان مركز بليستسك متخصصا في أقمار الاستطلاع الصناعية وغيرها من المركبات الفضائية العسكرية الأخرى. كان المركز يمثل في ذروة نشاطه أكثر من نصف جميع عمليات الإطلاق الفضائي في العالم بأسره، بينما كان موقع تيوراتام يحل في المرتبة الثانية بفارق كبير، ثم يليهما موقعا كيب كانافيرال وفاندنبرج بفارق كبير.
كان «كورونا» أيضا أول من يرصد سفرودفنسك، وهو موقع الإنشاء الرئيسي لغواصات الصواريخ الباليستية، وهو ما أتاح رصد إطلاق أنواع جديدة من الغواصات، وتتبعها حتى تجهيزها للاستخدام. تمكنت وكالة الاستخبارات المركزية أيضا من رصد التوسع السريع في المركبات البحرية السطحية. ساعدت التغطية الخاصة بمصانع الطائرات والقواعد الجوية في إطلاع المحللين أولا بأول على آخر المستجدات في القاذفات والمقاتلات، بينما سمحت التغطيات الأخرى لخبراء الجيش بالتعرف على طبيعة قوات الدبابات التي كان النيتو سيواجهها في حال غزا السوفييت أوروبا.
كشفت الصور الفوتوغرافية التي التقطها برنامج «كورونا» عن بناء مواقع صواريخ حقيقية مضادة للصواريخ الباليستية قرب موسكو وليننجراد، فضلا عن محطات رادار كانت تدعمها. رصدت صور أخرى بطاريات مضادة للطائرات ومكنت القيادة الجوية الاستراتيجية من العثور على مسارات لقاذفاتها تتفادى هذه الصواريخ. في مجال رسم الخرائط الجيوديسية، كان برنامج «كورونا» مكملا لبرنامج «أرجون» وصار المصدر الرئيسي للبيانات في الخرائط العسكرية لوكالة رسم الخرائط الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع.
في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، كان السوفييت قد تمكنوا من خداع الأمريكيين فيما يتعلق بقوتهم الجوية، واستطاعوا أن يثيروا الفزع في واشنطن حول «فجوة قاذفات» مزعومة، فقط بإطلاق الطائرة نفسها مرتين في عرض جوي. على النقيض من ذلك، اشتمل تقرير استخباراتي في عام 1968 على العبارة الصريحة: «لم تقم مجمعات جديدة للصواريخ الباليستية البعيدة المدى في الاتحاد السوفييتي خلال العام المنصرم.» في وقت مبكر يرجع إلى عام 1964، كانت «كورونا» قد التقطت صورا لجميع المجمعات الخمسة والعشرين التي كانت موجودة آنذاك، وإذا كان ثمة أي مجمعات جديدة، كانت «كورونا» سترصدها.
خاطب ليندون جونسون أحد الحشود في عام 1967 قائلا: «لم أكن لأرغب في أن يستشهد بكلامي حول هذا الموضوع. لقد أنفقنا ما يتراوح بين 35 مليار و40 مليار دولار أمريكي على برنامج الفضاء. وإذا لم يكن قد تمخض عنه شيء سوى المعرفة التي اكتسبناها من التصوير الفوتوغرافي في الفضاء، فإن هذا سيساوي عشر مرات تكلفة البرنامج بالكامل. ولأننا نعرف الليلة عدد الصواريخ التي يمتلكها العدو، ومثلما اتضح، كانت تخميناتنا مجاوزة كثيرا لما عليه الحال في حقيقة الأمر. كنا نتخذ تدابير ما كان يجب أن نتخذها من الأساس. كنا نبني أشياء ما كان يجب أن نبنيها. كنا نضمر مخاوف ما كان يجب أن نضمرها.» يشير المحلل جيفري ريتشلسون إلى الاستطلاع الفضائي بوصفه «أحد أكثر التطورات التكنولوجية العسكرية أهمية في القرن العشرين وربما في التاريخ كله؛ في الواقع، ربما لا يفوق تأثيره على الشئون الدولية في فترة ما بعد الحرب سوى القنبلة الذرية. لعب القمر الصناعي للاستطلاع الفوتوغرافي دورا هائلا في تحقيق التوازن في العلاقة بين القوتين العظميين، وذلك من خلال تهدئة المخاوف حيال الأسلحة التي كانت القوة العظمى الأخرى تمتلكها والفصل في مدى كون العمل العسكري وشيكا.»
1
بالإضافة إلى ذلك، بنت وكالة الاستخبارات المركزية مركبة متطورة على غرار وحدات التخزين المزودة بأدوات إنزال، عرفت بأسماء مختلفة مثل «هكسجون» و«بيج بيرد» و«كيه إتش-9». انطلقت المركبة الأولى في يونيو 1971، وسرعان ما أحالت برنامج «كورونا» إلى التقاعد، حالة محل مركبته الفضائية بالكامل في عام 1972. مع ذلك، كانت المركبات ذات وحدات التخزين المزودة بأدوات إنزال محدودة. بالإضافة إلى ضرورة الاسترجاع الفعلي لأفلامها، كان الأمر يستغرق شهرا حتى تصل الصور من القمر الصناعي إلى مكتب أحد محللي الصور. أظهرت حرب الأيام الستة في عام 1967، التي تفوقت فيها إسرائيل على أعدائها، أن صراعا كبيرا كان من الممكن أن يبدأ وينتهي بينما كان أحد الأفلام من مركبة فضائية في طريقه إلى واشنطن.
كانت الاستخبارات الفوتوغرافية في الوقت الفعلي هي الحل، بيد أن الأسلوب البديهي، وهو التليفزيون، كانت تعوزه الدقة العالية التي كانت وكالة الاستخبارات المركزية في حاجة إليها. ثم في عام 1970، ابتكر عالما الفيزياء ويليام بويل وجورج سميث، من «بيل لابس»، جهاز إقران الشحنات؛ استطاع الجهاز أن يحل محل الفيلم الفوتوغرافي مع التقاط الضوء بكفاءة أكبر عشرين مرة. وبوصفه جهازا إلكترونيا، كان يرسل الصور على هيئة تدفقات من وحدات البت، على نحو متوافق تماما مع عملية الإرسال في الوقت الفعلي، ومع معالجة باستخدام الكمبيوتر التي كان في مقدورها عرض التفاصيل الدقيقة. الأهم من ذلك أن قمرا يشتمل على جهاز لإقران الشحنات يستطيع البقاء في الفضاء إلى أجل غير محدد تقريبا، حيث لم يكن يستخدم أي أفلام، ومن ثم لم يكن لينفد أبدا.
سمي القمر الصناعي الاستطلاعي الذي انبثق عن ذلك «كينان»؛ كان نظامه البصري، «كيه إتش-11»، يتضمن تليسكوبا قطره تسعون بوصة. انطلق القمر الأول في ديسمبر 1976 وظل مستخدما لمدة عامين، بينما ظلت الأقمار التالية مستخدمة لمدة عشر سنوات. بلغت الدقة ست بوصات، وأظهرت مجموعة من الصور المسربة لإحدى ترسانات السفن في البحر الأسود ما كان يعنيه ذلك. كانت المركبة الفضائية على مسافة خمسمائة ميل، ومع ذلك كادت الصور أن تقترب لتظهر الكابلات على الرافعات في رصيف الإرساء. بالإضافة إلى ذلك، كان الجمع بين الأجهزة البصرية الكبيرة العالية الدقة وأجهزة إقران الشحنات مفيدا للغاية لرواد الفضاء؛ إذ كان يوفر أساسا فنيا لمرصد هابل الفضائي.
ناپیژندل شوی مخ