فإذا عرف «الحق» الأكبر فغير عجيب أن يرعاه هذه الرعاية وأن يكفله هذه الكفالة، وهو مهيأ لعرفانه بكرم الخليقة وطيب النحيزة واستقامة الفطرة وصفاء القريحة.
وقد عاش أبو بكر في زمن كان عقلاؤه في كل أرض يتطلعون إلى هداية من السماء، ويخيل إلينا أن انتظار الهداية من السماء لم يطل في زمن من الأزمان، ولا سيما الزمن الذي يعم فيه الفساد وتعيا به حيلة الإنسان، وحسبنا أننا بعد الإسلام رأينا أناسا يترقبون «المهدي» الذي ينشر العدل كلما عم الجور، ويأمر بالعرف كلما فشا المنكر، ويهدي إلى سواء السبيل كلما استحكم الضلال.
وقبل البعثة المحمدية كان أناس ينتظرون الهدى من نسل داود أو ينتظرونه من نسل إسماعيل بن إبراهيم.
وسمع أبو بكر ما سمع من هذا في رحلته إلى اليمن، ورحلته إلى الشام، وفي حديثه مع ورقة بن نوفل، وحديثه مع المنكرين لظلام الجاهلية والمستشرفين إلى كل نور جديد.
وهذا محمد بن عبد الله يدعوه دعوة إبراهيم؛ دعوة الأب الأكبر الذي يشمل العرب جميعا، ومن فوقها دعوة الله التي تعم جميع الناس.
فمن أولى منه بالدعوة، ومن أولى منه بالتصديق؟
إنه استشار خلقه القويم فهداه، وإن مشورة العقل وحدها لتهدية هذه الهداية، حيثما وازن وقابل فأحسن الموازنة والمقابلة بين جميع ما ينتظم فيها من شئون ذلك الزمان.
كان أبو بكر في اهتدائه إلى الإسلام هو أبو بكر في نشأته وسليقته وجملة أحواله وأحوال قومه وعهده.
وكان أبو بكر في إسلامه هو أبو بكر فيما وصف به وفيما جد عليه من إيمان المصدق بدينه وحماسة المعجب ببطله.
كان إسلامه إسلام الرجل الكريم السمح الودود، يستمسك بالصدق والتصديق ويخلص في الإعجاب بالبطل الذي هداه إخلاصا لا شية فيه. فهو يلين في كل حالة ويشتد في حالة واحدة هو فيها أشد الأشداء؛ مرجعها إلى كل ما اتصل عنده بقوة التصديق وقوة الإعجاب.
ناپیژندل شوی مخ