كان أبو بكر كما رأينا رجلا عصبي المزاج دقيق البنية، خفيف اللحم صغير التركيب.
تكوين يغلب على أصحابه أحد أمرين: إن كانوا من كرام النحيزة فهم مطبوعون على الإعجاب بالبطولة، والإيمان بالأبطال.
وإن كانوا من لئام النحيزة فهم مطبوعون على الحسد والكيد، وهما ضرب من الإعجاب المعكوس يؤدي إليه انعكاس الطبيعة، والإحساس بالعظمة في غير معاطفة بينهم وبينها ولا ارتياح إليها.
فالحسد هو إعجاب اللئيم عند شعوره بالعظمة، أو هو التحية التي يؤديها اللئيم إلى العظمة حسبما عنده من التواء وارتكاس.
ولهذا يصح أن يقال: إن أصحاب البنية الدقيقة والمزاج العصبي مطبوعون على الشعور بالعظمة على حال من الأحوال، فإن كانوا كراما شعروا بها مغتبطين مؤيدين، وإن كانوا لئاما شعروا بها محنقين مثبطين، ويندر فيهم جدا من يشذ عن هذه أو تلك من الخصال.
ولقد كان أبو بكر رجلا كريما أليفا من أهل الخير والمودة، فلا جرم كان الإعجاب بالبطولة طبعا متأصلا فيه، مقرونا بكل ما في الإعجاب من حب وثقة وإيمان، ولا جرم كان هذا الإعجاب «مفتاحا لشخصيته» مفسرا لكل ما يلتبس من أعماله، مميزا لكل ما يتشابه بينه وبين غيره من الصفات.
قلنا في كتابنا عن «عبقرية عمر»:
إن مفتاح الشخصية هو الأداة الصغيرة التي تفتح لنا أبوابها، وتنفذ بنا وراء أسوارها وجدرانها، وهو كمفتاح البيت في كثير من المشابه والأغراض. فيكون البيت كالحصن المغلق ما لم تكن معك هذه الأداة الصغيرة التي قد تحملها في أصغر جيب، فإذا عالجته بها فلا حصن ولا إغلاق.
وقلنا:
وليس مفتاح البيت وصفا ولا تمثيلا لشكله واتساعه، وكذلك مفتاح الشخصية ليس بوصف لها ولا بتمثيل لخصائصها ومزاياها، ولكنه أداة تنفذ بك إلى داخائلها، ولا تزيد.
ناپیژندل شوی مخ