ونرى رجلا آثر معيشة الكفاف والقناعة على إرضاء نسائه بالتوسعة التي كانت في وسعه، ثم يقال إنه رجل غلبته لذات حسه! ...
ذلك كلام لو شاء المشهرون أن يرسلوه كلاما مضحكا مستغربا لأفلحوا فيما قالوه أحسن فلاح. أو لعله أقبح فلاح! ...
ويزيد في غرابته أن الرجل الذي توهموه ذلك التوهم لم يكن مجهولا قبل زواجه ولا بعد زواجه فتخبط فيه الظنون ذلك الخبط الذريع.
فمحمد كان معروفا بين الشباب قبل قيامه بالدعوة الدينية كأشهر ما يعرف فتى من قريش وأهل مكة.
كان معروفا من صباه إلى كهولته فلم يعرف عنه أنه استسلم للذات الحس في ريعان صباه، ولم يسمع عنه أنه لها كما يلهو الفتيان حين كانت الجاهلية تبيح ما لا يباح، بل عرف بالطهر والأمانة واشتهر بالجد والرصانة، وقام بالدعوة بعدها فلم يقل أحد من شانئيه والناعين عليه والمنقبين وراءه عن أهون الهنات: تعالوا يا قوم فانظروا هذا الفتى الذي كان من شأنه مع النساء كيت وكيت يدعوكم اليوم إلى الطهارة والعفة ونبذ الشهوات ... كلا ... لم يقل أحد هذا قط من شانئيه وهم عديد لا يحصى ولو كان لقوله موضع لجرى على لسان ألف قائل.
ولما بنى بأولى زوجاته - خديجة - لم تكن لذات الحس هي التي سيطرت على هذا الزواج؛ لأنه بنى بها وهي في نحو الأربعين وهو في نحو الخامسة والعشرين، ونيف على الخمسين، وأوتي الفتح المبين وليس له من زوجة غيرها، ولا من رغبة في الزواج بأخرى.
ولم يكن وفاؤه لها بقية حياته وفاء للذات حس أو ذكرى متاع جميل لأنه فضلها على عائشة في صباها وهي أحب نسائه إليه، وكانت عائشة تغار منها في قبرها فلم يكتمها قط أنه يفضلها عليها.
قالت له مرة: هل كانت إلا عجوزا بدلك الله خيرا منها، فقال له مغضبا: «لا والله ما أبدلني الله خيرا منها ... آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء.»
فلهذا أحب خديجة، ووفى لها وفضلها ولم يمح ذكراها من نفسه قط من أعقبتها من الزوجات الفتيات وفاء قلب، وليست لذات حس ولا ذكرى متاع جميل.
أسباب تعدد زوجاته
ناپیژندل شوی مخ