ومن أمثلة ذلك علم السلوك في الدنيا والدين، وقد جمعه كله في أقل من سطرين قصيرين من قوله: «احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا.»
ومن أمثلة علم السياسة الذي اجتمع كله في قوله: «كما تكونوا يول عليكم.» فأي قاعدة من القواعد الأصلية في سياسة الأمم لا تنطوي بين هذه الكلمات؟ ...
ينطوي فيها أن الأمم مسئولة عن حكوماتها، لا يعفيها من تبعة ما تصنع تلك الحكومات عذر بالجهل أو عذر بالإكراه، لأن الجهل جهلها الذي تعاقب عليه، والإكراه ضعفها الذي تلقى جزاءه.
وينطوي فيها أن العبرة بأخلاق الأمة لا بالنظم والأشكال التي تعلنها الحكومة، فلا سبيل إلى الاستبداد بأمة تعاف الاستبداد ولو لم يتقيد فيها الحاكم بقيود القوانين، ولا سبيل إلى حرية أمة تجهل الحرية ولو تقيد فيها الحاكم بألف قيد من النظم والأشكال.
وينطوي فيها أن الولاية تبع تابع وليست بأصل أصيل، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وأحرى ألا يغير الوالي قوما حتى يتغيروا هم قبل ذلك.
وينطوي فيها أن «الأمة مصدر السلطات» على حد التعبير الحديث.
وينطوي فيها أن الأمة تستحق الحكم الذي تصبر عليه ولو لم يكن حكم صلاح واستقلال.
وذلك هو الإبلاغ الذي ينفذ في وجهاته كل نفاذ.
ويلحق بهذا في العلم بالتبعات قوله عليه السلام: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل.»
فالمزايا الإنسانية واجبات وأعباء وليست بالمتع والأزياء، وعلم الإنسان بالخير والشر يفرض عليه الفرائض التي يبتلى بها، ولا يهنئه بالراحة التي يصبو إليها وهو محسوب عليه، وكذلك ذكاؤه محسوب عليه.
ناپیژندل شوی مخ