98

مفتاح شخصيته

تقدمت الإشارة إلى قصة الشبه القريب بين خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب في ملامح الوجه وطول القامة، وأنهما كانا من التقارب بحيث يشتبه الأمر على قصير النظر وهو يتكلم إليهما، فيخاطب عمر بن الخطاب وهو يظن أنه يخاطب خالد بن الوليد.

ويلوح لمن يقرأ سيرة الرجلين أن الشبه بينهما يتعدى الملامح والقامة إلى معالم الشخصية وطبائع القوة النفسية، فكلاهما يجوز أن يقال فيه إنه «جندي» بالفطرة وإن «مفتاح شخصيه» هو السليقة الجندية، فإذا أحضرنا في أخلادنا كلمة «الجندي» أو الجندي المطبوع لم نجد في ابن الخطاب ولا في ابن الوليد صفة لا تحتويها هذه الكلمة في معنى من معانيها ...

وبين الرجلين فارق لا خفاء به في الخلق والتفكير.

لكنه فارق لا يخرج بهما من نطاق هذه الطبيعة، فكلاهما جندي مطبوع على الخلائق الجندية، ولكن ابن الخطاب تغلب عليه، من مزاج الجندي، ناحيته الروحية أو ناحية الضمير، وابن الوليد تغلب عليه، من هذا المزاج نفسه، ناحية الحيوية أو ناحية البنيان والتركيب ...

وأصح من هذا أن نقول: إن عمر كان جنديا في أخلاقه الوازعة الحاكمة، وإن خالدا كان جنديا في أخلاقه الدافعة الهاجمة. وفي الجنود، كما لا يخفى، هذه الأخلاق وهذه الأخلاق.

ولا ريب أن هذا الفارق بين الفاروق وسيف الله إنما هو قبل كل شيء فارق بين نفسين، أو بين رجلين، أو بين «شخصيتين».

لكن هذا لا يمنع أن يكون في الوقت نفسه فارقا بين «قبيلتين»وبين أسرتين وبين نشأتين ... فإن الفوارق بين بني عدي قبيلة عمر وبين بني مخزوم قبيلة خالد لخليقة أن تتجه بالمزاج المتقارب وجهتين متباينتين ...

فبنو عدي - آل عمر - كانوا في الجاهلية أهل تحكيم ومعرفة بالفصل في الخصومات وقد ذاقوا، كما قلنا في «عبقرية عمر»، «طعم الظلم من أقربائهم بني عبد شمس، وكانوا أشداء في الحرب يسمونهم لعقة الدم، ولكنهم غلبوا على أمرهم لقلة عددهم بالقياس إلى عدد أقربائهم ... فاستقر فيهم بغض القوي المظلوم للظلم وحبه للعدل الذي مارسوه ودربوا عليه ...»

أما بنو مخزوم - آل خالد - فكانوا على خلاف ذلك أهل حرب وسطوة وأصحاب ثراء ورخاء، وكانوا في الجاهلية موكلين بالخيل والسلاح، معتزين بالعتاد التليد، والعدة والعديد.

ناپیژندل شوی مخ