وتولى قيادتهم مالك بن عوف النضري، وهو فتى جريء في نحو الثلاثين يجمع إلى غطرسة الإمارة وحمية الفروسية وحدة الشباب ولدد الخصومة والعناد ... فساق أموالهم ونساءهم وأبناءهم، وأمرهم إذا رأوا المسلمين «أن يكسروا جفون سيوفهم، ثم يشدوا شدة رجل واحد». فإما فوز وإما فناء. وصفت الخيل ثم الرجالة المقاتلة، ثم الإبل عليها النساء، ثم صفت النعم في حراسة لئلا تفر والجيش مشتغل عنها.
وسأله دريد بن الصمة حكيم القوم: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله؛ ليقاتل عنهم، فسخر دريد برأيه وقال له: رويعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها - أي الحرب - إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. فرماه مالك بالخرف ولج في عناده ولمح في بني هوازن ميلا إلى كلام دريد، فجمح به غضبه العارم وأقسم: «لتطيعني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري!»
فهي عزمة رجل مستميت لا يبالي ما يصنع بنفسه أو بقومه في سبيل قهر المسلمين ...
ونمى الخبر إلى النبي، فخرج في ألفين من أهل مكة حديثي العهد بالإسلام وعشرة آلاف من أصحابه الذين قدموا معه من المدينة، وقيل إنهم كانوا جميعا ثمانية آلاف.
وأعوزه السلاح، فاستعار من بعض المشركين دروعا فأعطوه ثلاثين أو أربعين درعا - وقيل مائة درع - بما يكفيها من السلاح، واستعار من ابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح، فأعاره إياها وهو يقول: كأني انظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين.
وأخرج خالدا على طليعة الجيش في مائة فارس من بني سليم.
قال الحارث بن مالك: خرجنا مع رسول الله ونحن حديثو عهد بالجاهلية فسرنا معه إلى حنين، وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما. فرأينا ونحن نسير مع رسول الله سدرة خضراء عظيمة، فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله: الله أكبر. قلتم - والذي نفسي بيده - كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة!
وكان في الجيش كثير من أمثال هؤلاء المسلمين المحدثين، ومعهم في ساقة الجيش جمع من المشركين بين رجال ونساء ينظرون ما يكون، وكان فيهم أبو سفيان الذي قال حين رأى بوادر الهزيمة: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! وفيهم كلدة بن الحنبل الذي صرخ شامتا متعجلا: ألا قد بطل السحر اليوم، وصرخ معه آخرون يقولون: اليوم ترجع العرب إلى دين آبائها ...
وكان الغالب على جيش المسلمين في خروجهم قلة الاكتراث بعدوهم، فقال أبو بكر الصديق: لن نغلب اليوم من قلة ... ونسبت هذه الكلمة إلى غيره، ولكنها قيلت على التحقيق لما جاء في القرآن الكريم:
إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا (التوبة: 25).
ناپیژندل شوی مخ