ففي المؤتمر الذي جمعه الخليفة للتشاور في إصلاح الأمر وقمع الفتنة، لم يكن علي مدعوا ولا منظورا إليه بعين الثقة والمودة ... بل كان المدعوون إلى المؤتمر من أعدائه والكارهين لنصحه ... وهم معاوية وعمرو بن العاص وعبد الله بن أبي سرح وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص، وهم في جملتهم أولئك الولاة الذين شكاهم علي وجمهرة الصحابة، وبرمت بهم صدور المهاجرين والأنصار.
قال لهم عثمان: «إن لكل امرئ وزراء ونصحاء، وإنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إلي أن أعزل عمالي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون ... فاجتهدوا رأيكم وأشيروا علي» ...
قال معاوية: «أرى لك يا أمير المؤمنين أن ترد عمالك على الكفاية لما قبلهم، وأنا ضامن لك ما قبلي.»
رأي رجل يريد أن يحتفظ بولايته، ولا يريد أن يغضب أحدا من أصحاب الولايات في غير مصره ...
وقال عبد الله بن عامر: «رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك ... فلا تكون همة أحدهم إلا نفسه ...»
رأي رجل يريد أن يشغل الناس عن الشكوى ولا يريد أن يزيلها، ثم هو لا يبالي أن يخلق جهادا تسفك فيه الدماء في غير جهاد مطلوب.
وقال عبد الله بن سعد: «أرى يا أمير المؤمنين أن الناس أهل طمع، فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.»
رأي رجل يشتري الرضا بالرشوة، ويستبقي ما في يديه منها.
وقال عمرو بن العاص، وهو بين السخط على ولاية فاتها والطمع في ولاية يرجوها: «أرى أنك قد ركبت الناس بما يكرهون، فاعتزم أن تعدل ... فإن أبيت، فاعتزم أن تعتزل ... فإن أبيت، فاعتزم عزما وامض قدما.»
رأي رجل عينه على الخليفة وعينه على الثوار؛ ولهذا بقي حتى تفرق المجتمعون ... ثم قال للخليفة حيث لا يسمعه أحد غيره: «والله يا أمير المؤمنين لأنت أعز علي من ذلك ... ولكني قد علمت أن سيبلغ الناس قول كل رجل منا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي ... فأقود إليك خيرا وأدفع عنك شرا ...» •••
ناپیژندل شوی مخ