فعصر أبي بكر كان هو العصر الذي نشأت فيه الدولة الإسلامية، وعصر عمر كان هو العصر الذي تم فيه إنشاؤها ...
وعصر عثمان كان هو العصر الذي تكون فيه المجتمع الإسلامي بعد نشأة الدولة الجديدة، فبرز فيه نظام جديد على أساس الثروة المجلوبة من الأقطار المفتوحة، وعلى أساس الولايات التي تولاها بعض الطبقات المرشحة للرئاسة من العلية وأشباهها ...
أما عصر علي فكان عصرا عجيبا بين ما تقدمه وجاء في أعقابه، أو هو لم يكن عجيبا؛ لأنه جرى على النحو الذي ينبغي أن يجري عليه، فلم يثبت كل الثبوت ولم يضطرب كل الاضطراب؛ لأنه كان بناء جديدا في سبيل التمام، ولم يكن بناء متداعيا فكله هدم واندثار، ولا بناء قائما مفروغا منه فكله رسوخ واستقرار.
إلا أن العجيب فيه حقا أنه انقسم بين ثبوته واضطرابه قسمين اثنين متقابلين: في أحدهما كل عوامل الرضا عن النظام الاجتماعي، والرغبة في بقائه وتدعيمه، وفي الآخر كل عوامل التذمر من النظام الاجتماعي، والتحفز لتقويضه وتحويله.
أحدهما، وهو قسم الرضا عن النظام الاجتماعي، كان قسم معاوية بن أبي سفيان في الشام وما جاورها.
والآخر، وهو قسم التذمر من النظام الاجتماعي، كان قسم علي بن أبي طالب في الجزيرة العربية بجملة أنحائها.
كانت الشام بمعنى من المعاني أرضا أموية في عهد الجاهلية، فلجأ إليها أمية جد الأمويين حين غلبه هاشم على الزعامة، وقصد إليها أبناؤه متجرين أو مهاجرين إلى ما بعد قيام الدعوة الإسلامية.
ثم قامت الدعوة الإسلامية، فكان من نصيب يزيد بن أبي سفيان أن يتولى الإمارة والقيادة على الشام من قبل الخليفة أبي بكر الصديق، وخلفه أخوه معاوية من قبل الخليفة عمر، فلم يزل مقيما على إمارتها بضع عشرة سنة إلى مبايعة علي بالخلافة بعد مقتل عثمان، فاتسع له من فسحة الوقت وفسحة الرخاء مجال ممهد لتأسيس السلطان الأموي الذي لا ينازعه منازع من حوله، ولم يزل منذ تولاها عاملا على البقاء فيها واصطناع الأعوان المؤيدين له في حكمها، فلم يتوان في استرضاء رجل ينفعه رضاه، ولم يقصر رعايته على الشرفاء دون السواد من الأتباع والأجناد، بل كان يرضي كل من وسعه إرضاؤه، وقد وسعت ثروة الشام كل صاحب حاجة مقيم عنده أو ساع إليه ...
واشتهرت عنه هذه الخصلة حتى قصده أقرب الناس إلى خصومه، وأولاهم باجتنابه والنقمة عليه ... ومنهم عقيل أخو علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن زمعة، وعمرو بن العاص، وأناس من هذه الطبقة بين الشرفاء وذوي الأخطار.
أراد عقيل من أخيه مالا يجريه عليه من بيت المال فأباه عليه؛ لأنه ليس له بحق، فتركه وأقبل على معاوية وهو يقول: «إن أخي خير لي في ديني، ومعاوية خير لي في دنياي.» وقس على ذلك ما يصنعه الغرباء عن علي والمقربون من معاوية بالنسب والرجاء.
ناپیژندل شوی مخ