97

على عرشه سمط

3

من الملوك. وأولى أن تروعنا وتدهشنا من رجل البادية الذي يقدم على أمر جديد لم تعنه فيه السوابق، ولم يهتد فيه إلا بما اختار هو أن يهتدي إليه.

فبعد جمع القرآن لا نعرف عملا يقترن به، ويلازمه، ويعد من أسس الدولة العربية كالعمل على تصحيح اللغة وحفظها من الخلط والفساد، وكلاهما عمل لا يفطن إليه إلا من طبع على سليقة التأسيس، وأخذ بها من أصولها، وكلاهما فطن إليه هذا المؤسس الكبير، على أهون ما يكون من البساطة والسهولة، فأشار بوضع علم النحو، كما أشار بجمع آي القرآن، وكان أثره في تدعيم الدولة الأدبية كأثرة في تدعيم دولة الغزوات والفتوح.

وندر في الدولة الإسلامية نظام لم تكن له أولية فيه، فافتتح تاريخا، واستهل حضارة، وأنشأ حكومة، ورتب لها الدواوين، ونظم فيها أصول القضاء والإدارة، واتخذ لها بيت مال، ووصل بين أجزائها بالبريد، وحمى ثغورها بالمرابطين، وصنع كل شيء في الوقت الذي ينبغي أن يصنع فيه، وعلى الوجه الذي يحسن به الابتداء ، فأوجز ما يقال فيه أنه وضع دستورا لكل شيء، وتركه قائما على أساس لمن شاء أن يبني عليه.

وملاك

4

النظم الحكومية كلها نظام الشورى الذي أقامه عمر على أحسن ما يقام عليه في زمانه، فجمع عنده نخبة الصحابة للمشاورة والاستفتاء، وضن بهم على العمالة في أطراف الدولة، تنزيها لأقدارهم، وانتفاعا برأيهم، واعتزازا بتأييدهم له، ومعاونتهم إياه فيما يتولاه من ثواب أو عقاب.

وجعل موسم الحج موسما عاما للمراجعة والمحاسبة، واستطلاع الآراء في أقطار الدولة من أقصاها إلى أقصاها، يفد فيه الولاة والعمال لعرض حسابهم وأخبار ولايتهم، ويفد فيه أصحاب المظالم والشكايات لبسط ما يشكيهم، ويفد فيه الرقباء الذين كان يبثهم في أنحاء البلاد لمراقبة الولاة والعمال؛ فهي «جمعية عمومية» كأوفى ما تكون الجمعيات العمومية في عصر من العصور.

وكان عمر يستشير جميع هؤلاء ويشير عليهم، ويستمع لهم ويسمعهم، ويتوخى في جميع ذلك تمحيص الرأي، وإبراء الذمة، والخلوص إلى التبعة السليمة من العقابيل.

ناپیژندل شوی مخ