86

وإنما كان يعجبه «الشباب الناسك نظيف الثوب طيب الرائحة»، ويرى المسلمين بخير ما علموا أبناءهم الرمي والعوم والفروسية، «فأنتم بخير - كما قال - ما نزوتم

35

على ظهور الخيل.»

دين الرجل القوي الشجاع الذي ينتصر بدينه في ميدان الحياة، وليس بدين الواهن المهزوم الذي تركته الدنيا، فأوهم نفسه أنه هو تاركها ليقبل على الآخرة.

وكانت شجاعته في دينه أندر الشجاعات في النفوس الآدمية؛ لأنها الشجاعة التي يواجه بها تهمة الجبن، وهو أرذل من الموت عند الرجل الشجاع. فإن كثيرا من الناس ليعدلون عن الصواب الذي يظهرهم بمظهر الخوف ليقال إنهم شجعان، وإنهم في عدولهم عنه لمن الجبناء المستعبدين للثناء، ولم يكن عمر يعدل عن صواب فهمه، ولو قيل في شجاعته ما قيل، وتلك أشجع الشجاعات.

فشا طاعون عمواس وعمر في طريقه إلى الشام، فلقيه أبو عبيدة وأصحابه عند تبوك، وأخبروه خبر الطاعون، فاستشار المهاجرين والأنصار، فاختلفوا بين ناصح بالمضي وناصح بالقفول: ناصح بالمضي في طريقه يقول إنه خرج لأمر، ولا يرى له أن يرجع عنه، وناصح بالقفول يقول إنه اصطحب «بقية الناس وأصحاب رسول الله، ولا يرى أن يقدمهم على وباء.» ثم دعا مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فلم يختلف عليه رجلان، وأشاروا جميعا بالرجوع. فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟ قال عمر: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان

36

إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟! وما رام

37

مكانه حتى جاءه عبد الرحمن بن عوف، فحسم الخلاف برأي النبي في الخروج من أرض الطاعون والقدوم إليها؛ حيث قال عليه السلام: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها.»

ناپیژندل شوی مخ