74

فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأؤمن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله.

هاتان الروايتان هما أجمع الروايات للأسباب «المباشرة» التي قربت بين عمر والإسلام، وتتفرع منهما روايات منوعة يزيد بعضها تارة أن عمر قد أوفد لقتل النبي من قبل قريش، ويزيد بعضها تارة أخرى آيات من القرآن الكريم قرأها عمر في بيت أخته غير الآيات التي تقدمت الإشارة إليها في سورة طه، وأشبهها بالتصديق أنه لما اطلع على الصحيفة قرأ فيها اسم «الرحمن الرحيم» فذعر وألقاها، ثم رجع إلى نفسه فتناولها، وجعل كلما مر باسم من أسماء الله ذعر، فلما بلغ

وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين

قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

وهذه على اختلافها روايات متقاربة يبدو لنا أنها قصة واحدة شطرت شطرين وزيدت عليها الحواشي والأطراف، فاختلفت في ألفاظها ومواعيدها، واتفقت في جوهرها ومدلولها؛ لأنها تمس نفس عمر من الناحية التي هي أشبه أن تهديه إلى طريق جديد.

وهي - كما أسلفنا - تجمع لنا الأسباب «المباشرة» التي اقترنت بإسلام عمر، ولا تغنينا عن الأسباب الأخرى التي هي أساس هذه الأسباب ومرجعها، ولأجلها كان خليقا أن تأخذه بلاغة القرآن، وأن تميل به الرحمة إلى الإيمان.

فقد كان مهيأ للإسلام لا محالة، وكانت مجافاته للإسلام خليقة أن تنتهي بعد قليل، وألا تطول إلا ريثما تعن المناسبة للشهادة باللسان بعد التهيؤ بالفطرة والضمير.

فلم يكن بين عمر والإسلام في بداية الأمر إلا باب واحد للعداء.

وكل ما عدا ذلك من الأبواب فقد كان مفتوحا بينه وبين هذا الدين الجديد، ما هو إلا أن يراه بالعين حتى يندفع فيه.

كان باب العداء بينه وبين الإسلام أنه رجل قوي غيور عزيز في قومه، فإذا رجل يخرج عليهم فيفرق - كما قال - أمر قريش، ويسفه أحلامها، ويعيب دينها ويسب آلهتها، فلا جرم يثور ويغضب وينقم، ولا عجب أن يذود عن ذماره، ويرحض

ناپیژندل شوی مخ