وذلك هو المفتاح الصادق الذي لا نعلم مفتاحا أصدق منه لخلائق هذا الجندي العادل الكريم.
الفصل الخامس
إسلامه
يجوز أن نبحث عن سبب واحد للعمل الذي يعمله الرجل اليوم وينساه غدا، أو يكرره كل يوم ولا يلتفت إلى عقباه، أو يلتفت إلى عقباه ولا يتوقع لها أثرا يغير في مجرى حياته؛ فسبب واحد لعمل من هذه الأعمال كاف، ولا حاجة بعده إلى استقصاء.
لكن العمل الذي تتحول به حياة الإنسان تحولا حاسما لن يرجع إلى سبب واحد، ولن نستغني في تفسيره عن عدة أسباب، بعضها حديث وبعضها قديم، ومنها الظاهر الطيع والخفي المستعصي، وقد يجهل صاحبها بعض هذه الأسباب، وينسى المهم منها، ويتعلق بالهين القريب.
فالرجل الذي يغير موطنه أو معيشته أو زيه لا يفعل ذلك عفو الساعة، ولا تلبية لاقتراح يوحى إليه في مجلس فراغ، وقد يتوهم هو أنه سمع الاقتراح فلباه، وأنه لم يكن ليلبيه لولا ما سمع في تلك اللحظة العارضة، فهجر أهله، وترك موطنه، وغير صناعته من أجل كلمة، وإنك سائله ساعتئذ: «إنك قد هجرت أهلك، وتركت موطنك، وغيرت معيشتك لأنك لبيت اقتراحا، فهل تعلم لم لبيت الاقتراح؟» فإذا سألته ذلك السؤال رددته إلى نفسه، فعلم أن الأسباب الصحيحة وراء ذلك، وأنه لم يتحول لأنه سمع الاقتراح المزعوم، بل سمع الاقتراح ولباه لأنه كان قبل ذلك مستعدا للتحول، ماضيا في طريقه. ولو سمعه مائة معه لم يكونوا مستعدين مثله، لما عملوا به، ولا التفتوا إليه.
وأين تغيير المعيشة والموطن والزي من تغيير العقيدة الدينية؟ إننا إذا استصغرنا السبب الواحد في تفسير تلك التغييرات، فهو لا مراء أصغر من ذلك جدا في تفسير التحول الحاسم إلى دين جديد.
لأن الإنسان إذا غير معيشته فإنما يغير صناعة، وإذا غير موطنه فإنما يغير بلدا، وإذا غير زيه، فإنما يغير سمتا
1
يقوم على كساء، ولكنه إذا غير عقيدته الدينية فقد غير كونه، واستبدل به كونا آخر، وقد غير ماضيه وماضي أهله، وغير حاضره وحاضر أهله، وغير مصيره في الدنيا ومصيره بعد الموت، وغير آراءه ومقاييسه فيما يأخذ، وفيما يدع من أمور الحياة، وعلاقات الناس، ومنها مآلف وأواصر ومحاب ومكاره متوشجات الأصول إلى ما وراء الآباء والأجداد.
ناپیژندل شوی مخ