فانظر إلى هذه الخصائص جميعها، هل تجدك محتاجا إلى التنقيب طويلا عن واحدة منها في نفس عمر؟ هل تجدك محتاجا إلى تعمل أو استقصاء لجمع أشتاتها، والاهتداء إلى شواهدها ومواقعها؟
كل هذه الخصائص عمرية لا شك فيها؛ فهو الشجاع، الحازم، الصريح، الخشن، المطيع، الغيور على الشرف، السريع النجدة، المحب للنظام، المؤمن بالواجب والحق، الموكل بالإنجاز، العارف بالتبعات والمسئوليات.
هذه الخصائص واضحة كلها في عمر، وعمر وحده واضح بين أمثاله في جميع هذه الخصائص، حتى ليخيل إلينا لو أن أحدا مولعا بتأليف الألغاز سأل عن عظيم في الإسلام والعروبة، متصف بجميع هذه الخصائص على أصدق وأبرز حالاتها، لكان الجواب الواحد عن سؤاله اسم عمر بن الخطاب.
وقد يكون العجب من توافر هذه الخصائص في تفريعاتها الثانوية، وأشكالها العارضة، أبلغ وأدل على العمق والتأصل من توافر الخصائص الجليلة، التي هي بمثابة الأصول الجامعة في طبائع الجنود.
فالنظام مثلا ليس بالخلق الأصيل في الجندي الباسل، فقد ينساق إليه بطبعه، وقد يحتاج إلى تعوده وإدمانه، حتى يكسبه بطول المرانة.
لكن النظام كان خلقا أصيلا في طبيعة عمر، حتى فيما يتفرع عليه، ويدخل منه في عداد الأشكال والنوافل.
3
أرأيته وهو يصلي بالناس فلا يكبر حتى يسوي الصفوف، ويوكل رجلا بذلك؟! أرأيته وهو يرى الناس يجتمعون بالمسجد في شهر رمضان أوزاعا متفرقين حول كل قارئ، فيأمرهم أن يجتمعوا إلى قارئ واحد؟! أرأيته وهو يحمل الدرة لينبه المخالفين في الطريق، ويذكرهم هيبة القانون؟! أرأيته وهو يركب في السوق؛ فيكسر ما برز من الدكاكين، ويخفق التجار بالدرة إذا تكوفوا على الطعام
4
وقطعوا طريق السابلة؟! أرأيته وهو لا يزال يأمر بالمثاعب
ناپیژندل شوی مخ