عبقري اصلاح او تعلیم: امام محمد عبده
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
ژانرونه
نعم، ولكنه في هذه المرة مفترق طريق في مدرسة واحدة؛ مدرسة علم القلوب والعقول. وبديهة التلميذ الصادقة هي هاديه الأمين إلى أقوم الطريقين وأفضل الغايتين، بين تعليم الشيخ حسن الطويل وتعليم السيد جمال الدين.
وإنما افترق التعليمان هنا بين طريق النظريات وطريق العمليات.
وكلاهما يخاطب الذهن والوجدان، ولكن النظريات لا تذهب بعيدا وراء الفهم والمناقشة، ولا تستريح النفوس المطبوعة على الحركة زمنا طويلا إلى بحث من بحوث الذهن قصاراه ترجيح نظرية على نظرية، وتوضيح شبهة واردة أو تصحيح غلطة خفية؛ لأنها تفهم كيف تعمل، وتهتدي لتسلك إلى الغاية التي تتحراها ولا تستريح إلى السكون دونها.
وغير هذه الطريق، طريق النظريات، كانت طريق جمال الدين إلى «العمليات» التي تعيش مع صاحبها في معترك الحياة، وتعقب لها أثرا في نفسه وفيما يحيط به من أحوال قومه، وخلاصة الفارق بين الطريقتين هي خلاصة الفارق بين صاحب درس وصاحب رسالة، وقد يلتقيان ولكنهما لا يتساويان. •••
وبعد، فإننا في صفحات هذه السيرة لا نتوخى ترتيبا يقيدنا بترتيب أرقام السنين في التقويم؛ لأننا نتكلم عن نفحة من نفحات الحياة العالية بأوصافها وملامحها، ولا نتكلم عن نبذة من الزمن بترتيب حوادثه وأرقامه، فمكان الحادث من هذه السيرة هو مكانه في موضع الدلالة على جوانب تلك الشخصية الحية، ولا سيما جوانبها البارزة التي تنتظم من مبدأ العمر إلى نهايته، وأولها وأهمها هذا الجانب الذي نراه على الدوام كأنه يوحد بين مسألة التعليم ومسألة العمر كله في سيرة هذا المصلح العظيم الذي سمي بحق بالأستاذ الإمام.
ولهذا نتناول في بعض هذا الفصل جملة الحوادث التي تتابعت بعد لقاء الطالب محمد عبده بأستاذه جمال الدين، ومنه ما كان الخلاف فيه بين التلميذ والأستاذ بعد ملازمة السنوات الطوال. •••
تولى التحرير في الصحف، فكان مدار مقالاته التي كتبها فيها جميعا على الدعوة إلى التعليم، والتمييز بين التعليم النافع والتعليم العقيم الذي أدرك عقمه بالتجربة بعد التجربة من بواكير صباه.
ولم تمض سنوات بعد أول لقاء له بالسيد جمال الدين حتى جاشت البلاد بقلاقل الثورة الأولى، وكان الطالب الذي تخرج يومئذ من معهده للتدريس يلقي دروسه، ويكتب مقالاته، ويشارك زعماء الثورة، فيوافقهم على أمور ويخالفهم على غيرها، ومن أهم ما خالفهم عليه أن يهتموا بتعليم الأمة لتوكل إليها حقوقها وهي أمينة عليها، فإن ما يمنحه سلطان الحاكم بأمره يسلبه سلطان الحاكم بأمره، «وإنما علينا - كما قال للزعيم عرابي - أن نهتم الآن بالتربية والتعليم بعض سنين، وأن نحمل الحكومة على العدل بما نستطيع، وأن يبدأ بترغيبها في استشارة الأهالي في بعض مجالس خاصة بالمديريات والمحافظات، ويكون ذلك كله تمهيدا لما يراد من صد الحكومة، وليس من المصلحة أن نفاجئ البلاد بأمره قبل أن تستعد له، فيكون من قبيل تسليم المال للناشئ قبل بلوغ سن الرشد، فيفسد المال ويفضي إلى الهلكة.»
وانتهت الثورة العرابية بنفيه إلى بيروت، فكان عمله فيها التعليم بالمدرسة السلطانية، ومحاضرة الطلاب والمريدين في منزله وفي المساجد المشهورة، وكان الأستاذ الشرتوني صاحب المعجم الكبير المسمى بأقرب الموارد يقول عن دروسه هناك: إنه يتكلم فيخرج النور من فيه.
وأذن له بالعودة إلى مصر، فلم يفارق بيروت إلا بعد أن أودع آراءه في إصلاح الأمة الإسلامية بالتعليم والتربية في رسالتين أو «لائحتين»، أرسل إحداهما إلى شيخ الإسلام بالآستانة، وأرسل الثانية إلى والي بيروت ليشرح فيها ما اهتدى إليه أثناء مقامه من وسائل إصلاح البلاد من طريق التعليم والتربية.
ناپیژندل شوی مخ