عبقري اصلاح او تعلیم: امام محمد عبده
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
ژانرونه
فأخوال أبيه كانوا أكثر سكان القرية التي عرفت باسم «كنيسة أورين»، ومنهم - الحاج محمد خضر - عمدة القرية، وأخواله هو كانوا معظم سكان الحصة التي اشتهرت بحصة «شبشير»، وجده لأمه هو عميد أكبر بيوتها بيت عثمان الكبير.
وكان له أقارب بمنية طوخ في مركز السنطة، وأقارب في القرى بين الإقليمين، أما أقاربه في محلة نصر فهم كما جاء في ترجمته «كثيرون يتصلون بهم من جهة الناس» أي بالنسب والمصاهرة، ولم يكن في القرية عند تأسيسها سكان غير أهله بيت التركماني، وغير بيتين آخرين هما بيت الفرنواني وله بهم صلة كما يظهر من سيرة صاحب الضريح المدفون في محلة نصر، والبيت الثالث هو بيت الشيخ الذي أشار إليه الرحالة البغدادي، وربما كانت عصبته من الأقارب والأصهار أكبر هذه العصب عددا وأصعبها مقادا؛ لأنها كانت - كما تقدم - هدف المقاومة والاضطهاد من أعوان الحكام، وكان مصابها بالمظالم يكشفها لتلك المقاومة كلما حلت المظلمة بواحد من المنتسبين إليها واللاجئين إلى جوارها. •••
ولا يخفى أن قيام «دستور الأسرة» أدل على كيانها الاجتماعي من مجرد الكثرة العددية أو سعة الجاه المكتسب بالوفرة والثروة؛ لأن الكثرة والوفرة قد تدلان على وجود الأسرة ولا تدلان على رعاية آدابها وحماية حوزتها والتزام سمتها وسمعتها، ونحن في العصر الحاضر نذكر دستور الأسرة في قرى الريف ونسمع من يسميه تارة بسبر البلد أو بسبر العائلة، قبل أن تسري على الألسنة كلمة التقاليد العائلية أو كلمة العرف الاجتماعي، وكان هذا «السبر» ولا يزال أقوى سلطانا بين أهل البلد من سلطان الحكم والشريعة في كثير من الأحوال ...
ومن الأخبار القليلة التي رويت لنا عن «محلة نصر» نعلم أنها - على صغرها - قرية ذات أسر مسماة وبيوت منسوبة، وأن أسرة التركماني من أسرها الثلاث المعدودة كان لها بيت كبير فيها بغير باب تعيش فيه أكثر من «عائلة» واحدة من عائلات الأسرة الكبيرة. وترك الدار الكبيرة بغير باب في الريف علامة في وقت واحد على الكرم المقصود والجوار المرهوب، فلا تقام السدود في وجه الضيف الغريب، ولا يجترئ المعتدي على اقتحام الدار على كره أهلها، وتلك هي آية الكرم والمنعة في كل عرف وكل بيئة، فليس للبيت مكانة وراء مكانة الموئل الذي لا يغلق ولا يستباح.
ويروي الأستاذ الإمام من ذكريات طفولته أنه كان قبل أن يدرك معنى الكرم والمنعة يرى أن الكبراء من زوار القرية ينزلون في بيته ضيوفا على أبيه، ولا يذهبون إلى بيت العمدة وهو أغنى من أبيه وأقرب إلى مقام الرئاسة في الحكومة، وكان أبوه يأكل مع الضيوف ولا يأكل مع أهله في الدار، فإذا خلا البيت من الضيوف تناول طعامه وحده على حكم هذه العادة، فكان الطفل الصغير يضيف هذا الانفراد إلى سمت الوقار الذي يرعاه لأبيه، ويحسبه أكبر رجل في الدنيا؛ لأنه لا يعرف من الدنيا غير «محلة نصر» وما جاورها من شبيهاتها في الإقليم المحدود.
وكل أبناء القرى تروي لنا عن هذه الأسرة أنها كانت تنشأ على الفروسية وتحمل السلاح، وتتعرض للشبهة والمطاردة، بل للسجن والمصادرة من جراء هذه الخصلة المتأصلة فيها، ومن أنباء الأسرة في جيلين قريبين نعلم أنها لم تكن قط تستكين إلى المقام في موطنها على كره ومهانة ... فلا يزال البارزون من أبنائها بين مقام مرض في ديارهم أو إيثار للهجرة والاغتراب، إن لم يقعدهم عنها السجن والاعتقال.
ولا ينبئنا صاحب الترجمة بأصل هذه النسبة - نسبة التركماني - التي اشتهر بها بيته وسمع «المزاحين » من أهل البلد يلقبونه بها وهو لا يفقه معناها، ولكنه سأل عنها كما نسأل عنها اليوم، فقال له والده: «إن نسبنا ينتهي إلى جد تركماني جاء من بلاده في جماعة من أهله، وسكنوا في الخيام مدة من الزمن ...»
ويلفت النظر في هذه الرواية أن اللقب كان مما سمعه الطفل الصغير من «المزاحين» في القرية، ولم يسمعه من أبيه ولا أحد من ذوي قرابته، فليس هو باللقب الذي تتحدث به الأسرة وتدعيه لنفسها مفاخرة به كما كان يفعل بعض المنتسبين إلى غير هذا البلد في عهود الطغيان الأجنبي، بل لعله كان مما يقال على سبيل المغايظة والاستثارة للأطفال الصغار، فإذا جاء اللقب بغير دعوى، فقد يكون له مرجع من التاريخ نهتدي إليه من مراجعة أخبار التركمان في هذه البلاد منذ كانت لهم أخبار مترددة بهذا الاسم في التاريخ الحديث.
فإذا قدرنا أن البيت التركماني عرف بهذا الاسم قبل وفود عبد اللطيف البغدادي إلى «محلة نصر» بنحو خمسين سنة، فقد مضى عليه في مصر نحو ثمانية قرون، وهي مدة كافية لإعراقه في هذا الوطن بالنسبة إلى الوافدين إليه من أبناء الأمم التي اختارته لسكناها بعد زوال الدولة الرومانية، على تفاوت في الأزمنة من فتح العرب إلى أيام المماليك.
ويرد ذكر التركمان كثيرا في أخبار القرون الأولى من تلك الفترة، فيقول المقريزي وقد ذكر أنه أدرك عهد الظاهر برقوق: «إن جيوش الدولة التركية كانت بديار مصر على قسمين: منهم من هو بحضرة السلطان، ومنهم من هو في أقطار المملكة وبلادها وسكان بادية كالعرب والتركمان، وجندها مختلط من أتراك وجركس وروم وأكراد وتركمان، وغالبهم من المماليك المبتاعين، وهم طبقات، أكابرهم من له إمرة مائة فارس وتقدمة ألف فارس.»
ناپیژندل شوی مخ