فهز سعيد كتفيه كأنه يقول «لا أعلم»، ثم قال: «لا أحسب أن ولي العهد يفعل ذلك، ومهما يكن من أمر، فإن عابدة لن تذهب إليه ولو رضي الأمير عبد الله.»
فضحك الفقيه واقترب من سعيد، وفي يده كتاب ينفض عنه الغبار ويقدمه إليه ليضعه في مكانه وقال: «وخلاصة القول: إن النفور قد وقع بين الأخوين، ولا يلبث أميرنا أن يوافقنا على القيام ضده، وأنت ترشدنا إلى الأحزاب المناصرة لنا، فلا يمضي العام إلا وقد انتقلت ولاية العهد أو الخلافة إلى صاحبنا.»
فنظر سعيد في عيني الفقيه، وقد استغرب تسرعه في الحكم، كيف أنه تصور بلوغه إلى أقصى المراد وهم لا يزالون في أول الطريق، بل هم لم يخطوا خطوة واحدة بعد! ومن الناس من تراه سريع التمسك بحبل الأمل، حسن الظن بالدهر إذا تصور عملا يعود عليه بالنفع، فبمجرد التصور أو الظن يحسب أن الأمر قد قضي وأنه سينال ما يريد، فهذا وأمثاله لا يرون الدنيا إلا من وجهها الأبيض، ويعبر عنهم بالمتفائلين؛ لأنهم لا يتوقعون دائما إلا الخير، وكان الفقيه منهم؛ خلافا للفئة الأخرى التي لا يتوقع أصحابها في أعمالهم إلا الفشل وهم المتشائمون.
ولم يكن سعيد من المتفائلين أو المتشائمين، وإنما كان يقيس المستقبل على ما يراه في الحاضر، فكان رأيه في نتيجة تلك المغامرة يختلف عن رأي الفقيه، ولكنه كان لدهائه يتظاهر بالجهل والسذاجة حتى يوحي بما يريد الإيحاء به من الأغراض، وكان ينظر إلى الفقيه كأنه طفل لا يعرف من أحوال الدنيا شيئا؛ ولذلك فإنه يستطيع أن يوجهه كيفما يشاء.
قضوا ذلك النهار في المكتبة، والأمير عبد الله لم يغادر فراشه، ولما أمسي المساء ذهب الفقيه للسؤال عن الأمير، فقيل له إنه محموم، وعنده ساهر الحاجب، فاستأذن في الدخول عليه فأذن له، وسأله عن حاله ثم قال له: «ألا تأمر بطبيب يراك؟»
قال عبد الله: «وأي طبيب؟»
قال الفقيه: «الأطباء كثيرون في قصر أمير المؤمنين، وإذا شئت استحضرنا لك سلمان بن تاج طبيب أمير المؤمنين نفسه، أو أحمد بن جابر طبيب ولي العهد
1
أو غيرهما، إن الأطباء كثيرون.»
فهز رأسه وقال: «لا هذا ولا ذاك.»
ناپیژندل شوی مخ