فأخذ سعيد يقلب صفحات الكتاب ويقرأ، ثم يعيد القراءة، ويعيد التقليب، وقد ظهرت البغتة في عينيه وهو يقول: «هل أنت متأكد من أن الاحتفال سيكون يوم السبت؟ لعلك أخطأت!» فاختلج قلب الفقيه في صدره خوفا، وقال: «لعل ذلك اليوم لا يوافق طالعي؟»
قال سعيد: «لا أعني ذلك، ولكنني أحب أن أعرف الذين سيحضرون ذلك الحفل، فإن الطالع يتغير بتغير الجواذب والدوافع من الطوالع الأخرى.» ثم وصل إلى صحيفة وقف عندها طويلا، وقال: «إن طالعك إذا استقل لا خوف عليه في أي يوم كان، أما إذا زاحمه طالع آخر أرى صفته في هذا الكتاب، وكان ذلك في يوم السبت، فقد يصيبه ضرر، ولكن ذلك غير مؤكد، فتوكل على الله، واعلم أنك أحسنهم جميعا، وإنما أرغب إليك متى أحرزت ذلك المنصب الرفيع أن لا تنسى صاحبك سعيدا.»
فأقلق الفقيه ذلك الارتياب، ولكنه اطمأن للعبارة الأخيرة، فضحك وهز رأسه استخفافا، ولسان حاله يقول: «كيف أنساك؟!» وزاد ذهنه تعلقا بالظفر بهذا المنصب.
وبينما هم في ذلك، إذ دخل ياسر كبير فتيان عبد الرحمن الناصر، وكان قد أكثر من التردد على سعيد بعد مقابلته الأخيرة، وأفضى إليه بأمور زاد فرحه بها وزادت الروابط بينهما سرا، ورفعت الكلفة؛ ولكن سعيدا تظاهر أمام الفقيه بالاحتفاء بياسر، وبالغ في احترامه وإكرامه، وأحضر له مقعدا ليجلس عليه، والفقيه ابن عبد البر لا يزال قابضا على اللفافة، فهم بوضعها في جيبه، وأخذ في السلام على ياسر، فآنس منه حفاوة وإكراما فوق العادة، فاستأنس به، فقال سعيد لياسر: «هل يرغب الأستاذ في خدمة أقوم بها؟»
قال ياسر: «كلا، ولكنني تذكرت سؤالك عن موعد الاحتفال باستقبال رسل القسطنطينية لأنك ترغب في حضوره، وكنت قد جئت على بغلتي إلى هذه الجهة لغرض لي، فرأيت أن أمر بك وأخبرك أن الاحتفال سيكون يوم السبت القادم، وقد سرني أني لقيت الفقيه ابن عبد البر هنا لأوصيه بمرافقتك إلى القصر الزاهر حيث يكون الاحتفال.»
قال سعيد: «أشكرك يا سيدي على هذه العناية.» والتفت إلى الفقيه وسأله عن موضع اللقاء، فقال: «نلتقي في المسجد بقرب باب الجنان المطل على الرصيف فوق الوادي الكبير، وهو أقرب أبواب القصر إلينا على ما أعتقد.»
قال سعيد: «حسنا، سأوافيك إلى هناك صباح يوم السبت القادم إن شاء الله.»
وهم ياسر بالانصراف، فاستوقفه الفقيه بقوله: «هل كنت تعرف قبل الآن أن سعيدا له دراية بعلم التنجيم والطوالع؟»
قال ياسر: «وأعرف غير ذلك أنه طبيب وكيميائي.»
فبغت الفقيه لقول ياسر وهز رأسه وقال: «وكيميائي أيضا! إنه حقا لعبقري.»
ناپیژندل شوی مخ