قالت عابدة: «لم يبق ثمة باعث على الحياء بيننا، وقد أطلعتك على خفايا قلبي وتفاهمنا مليا.»
قال سعيد: «يسرني أنك فهمت مرادي وذهب سوء الظن.»
قالت عابدة: «نعم فهمت، ولكن يظهر لي أن هذا الانتظار لا حد له، وأنت قابع ببيع الكتب ونسخها ومقابلة الناس والعمل على راحتهم.» قالت ذلك وأبرقت عيناها وظهر الارتباك على شفتيها كأنها تخفي شيئا تريد أن يفهمه سعيد دون أن تقوله.
أما سعيد فأحس بحدة ذلك التصريح فتغيرت سحنته، وقال: «لست وراقا، ولا ناسخا كما تعلمين، وإنما أنا ...» والتفت حوله خشية أن يسمعه أحد، وسكت وهو يصر على أسنانه.
فقالت عابدة: «لا تغضب يا سعيد، ولا تحسبني أعاتبك، ولكني أستبطئ النجاح. إن زهرة عمرنا كادت تنقضي في هذه الديار مختبئين.»
فرفع سعيد بصره إليها وقال: «يعجبني فيك حماستك في سبيل الأمر الذي جئنا من أجله إلى هذه الديار، ولا تظني أنني أجهل قصدك؛ فأنا أعلم أنك أرفع نفسا من أن يكون طلبك مني مثل مطلب سائر النساء الجاهلات، وقد تعاقدنا وتعاهدنا على ذلك. وأما استبطاؤك النجاح، فقد تكونين محقة فيه، وقد تكونين مخطئة، فالأمور مرهونة بأوقاتها. وهل تحسبينني غافلا؟! ولكن اعلمي يا عابدة أن الساعة دنت وفتح باب الفرج الآن، وأصبح إتمام العمل عليك.» قال ذلك وتفرس في وجهها.
فتحمست عابدة وقالت: «علي أنا! إني رهن إشارتك يا سعيد، وإذا كان قضاء الأمر متوقفا علي، فاعتبر أنه انقضى.»
فأعجب سعيد بهذا القول الدال على قوة العزيمة والحزم، وقال: «هل تطيعينني؟» فتنهدت عابدة وقالت: «وهل أستطيع أن أعصاك يا سعيد؟! لست أعلم ماذا في عينيك يؤثر على خاطري. إن بصري لا يكاد يتركز على بصرك حتى أشعر كأنك غلبتني على أمري وربطت إرادتي بإرادتك، وأحس كأنني جزء منك، خضع لإرادتك أنت ويعصاني أنا، فكيف تسألني إذا كنت أطيعك!» قالت عابدة ذلك وأطرقت حياء.
فقال سعيد: «هل تطيعينني حتى الموت؟»
قالت عابدة: «حتى الموت، وبعده.»
ناپیژندل شوی مخ