224

عبد الرحمن الناصر

عبد الرحمن الناصر

ژانرونه

قال سعيد: «إن الغرض الذي حملني على هذه الرذائل من أشرف الأغراض، بل هو أشرفها جميعا لأن عليه يتوقف عمران هذا الوجود، بل هو سنة من سنن الله في خلقه، وفضيلة من أكبر الفضائل. وأما سواي فإنه يرتكب الرذائل في سبيل أغراض تخالف سنة الوجود، وقد نهى عنها الشرع والعرف. كم من رجل ارتكب الغدر والفتك والقتل التماسا لمنصب الملك أو الخلافة، وهذا المنصب نفسه مشوب بأمثال هذه الرذائل؛ لأن طالب الملك متى ناله حلل لنفسه كل محرم، وساعده الناس على التمادي في الأثرة، وصار يحسب أموال الرعايا وأنفسهم حقا له، فيبني القصور ويزخرفها بالذهب والفضة مما يجمعونه له من تعب الفقراء، ويقتني الجواري على اختلاف أنواعهن، ويتحكم في رقاب الناس وأموالهم كما يشاء، ولا يرى لسواه حقا في عشر معشار ذلك. بل ويل لمن يجرؤ على الاعتراض، ولو لم أكن على باب الآخرة لم أقل ذلك.»

فدهش الجميع لهذه الجسارة مع ما فيها من الحكمة البالغة، ولم يجسر أحد قبله على مثل هذا التصريح في حضرة خليفة شديد البأس، ولكنهم غضوا من أبصارهم تهيبا من الخليفة.

أما الناصر فظل يظهر الاستخفاف بما يسمعه، ولم يشأ أن يجعل نفسه المقصود من ذلك التعريض فقال: «صدقت، إن كثيرين من طلاب الملك لم ينالوه إلا بعد سفك الدماء، وهؤلاء إخواننا العباسيون أكبر شاهد على ذلك، وقدوتهم أبو مسلم الخراساني الذي كان يقتل على التهمة. لكنني لا أزال أنتظر أن أسمع منك السبب الذي حملك أنت على ما فعلت، ولم ألح عليك بالاستفهام إلا لأستفيد من حكمتك، فقد كنت - كما تعلم - كثير الثقة بعلمك والإعجاب بعقلك.»

الفصل التاسع والسبعون

الحب

فتنهد سعيد تنهدا عميقا وأجال بصره في الحاضرين حتى وقع نظره على الزهراء، وكانت شاخصة فيه، وقد غطت رأسها بالنقاب، وأخذ منها الإعجاب به كل مأخذ، فلما رأته ينظر إليها حولت نظرها عنه. أما هو فلما وقع نظره عليها ابتسم ابتسامة شفت عن معان كثيرة وتنهد ثانية وقال وهو يوجه كلامه إلى الناصر: «إن السبب الذي حملني على ما ارتكبته إنما هو أشرف الأسباب، بل هو الوسيلة الوحيدة لجمع شتات الناس وتأليف قلوبهم وحفظ أنواعهم، وهو الذي أمر به الشرع وأوصى به الله، وقد امتدحه الحكماء، وتغزل به الشعراء، بل هو أكبر الفضائل. إن ذلك السبب يا سيدي هو «الحب»، هذا هو الذي حملني على ارتكاب ما ارتكبته، فهل في الحب عار وقد جاء ذكره في القرآن والحديث؟! أليس هو سبب نظام الكون؟!»

فلما قال ذلك أجفلت الزهراء، وأطرقت حياء لعلمها أنه يشير إلى حبه إياها، ولم يخف غرضه على الناصر فقال له: «ولكن الله ينهى عن التعدي على نساء الآخرين.»

قال سعيد: «نعم يا سيدي، ولكن الحق الطبيعي في الحب للمحب الأول، خلافا لما هو جار في أعمال الناس، فإن القوي يفوز بما يريد والضعيف يذهب حقه هباء.»

فقال الناصر: «وإذا كان الضعيف حكيما، ألا تقضي عليه حكمته أن يخاف العقاب فيبتعد عن عرين الأسد ؟»

قال سعيد : «نعم، إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، ولكنه غلب على أمره وتمكن الحب من قلبه حتى أعمى بصيرته، وأصبح لا يرى للحياة معنى بدون الاجتماع بحبيبه، كما يعمى طالب الدنيا بزخرفها، وكما يعمى طالب السيادة فلا يرى غير مطلبه، وكما يعمى طالب الجاه فإنه يقتل ويغدر ويخون في سبيل الحصول عليه، والسيادة ظلم واستبداد تخالف الحرية الطبيعية التي منحها الخالق لبني الإنسان، وأما الحب فإنه شريعة طبيعية أمر الخالق بها، وقال في كتابه:

ناپیژندل شوی مخ