198

عبد الرحمن الناصر

عبد الرحمن الناصر

ژانرونه

وهمت بالجواب، وعيناها شاخصتان إلى منتهى الطريق، تنتظر مجيء سعيد، وبغلتها تتحرك تحتها، فشغلها شبح ظهر عن بعد من ناحية القصر، فأسرع جوهر ببغلته لملاقاته، ثم عاد مسرعا وبشر الزهراء أنه سعيد، فلم تدر أتفرح أم تحزن؛ لأنها كانت لا تحبه، ولكنها لا ترى بدا منه أملا في لقاء أخيها، فظلت صامتة حتى وصل سعيد إليها فحياها، وقال لها: «هل أنت مرتاحة؟»

فأجابت برأسها أن: «نعم.»

فأومأ لها أن تسوق بغلتها بجانبه وساروا، وكانت قد تعودت الركوب؛ لأن الناصر كثيرا ما كان يصطحبها في خروجه للصيد أو التنزه، وركوب البغال سهل.

ساروا برهة لا يتكلمون حتى أطلوا على الجسر المؤدي من قرطبة إلى أرباضها، فوق الوادي الكبير، فسمعوا دوي الطواحين، وكانت الزهراء لم تسمعها من عهد بعيد؛ لأنها لم تمر على ذلك الجسر من عدة أعوام. قطعوا الجسر وقد مضى هزيع من الليل فأشرفوا على الأرباض وهم سكوت. وكانت الزهراء كلما بعدت عن القصر خطوة اقتربت من الندم خطوتين، فلما دخلت الأرباض ورأت ما هنالك من المنازل الحقيرة أحست بانقباض نفسها وقالت: «إلى أين نحن ذاهبون؟»

قال سعيد: «إلى سالم.»

قالت الزهراء: «أرى أن سفرنا قد طال كثيرا؟»

قال سعيد: «لم يبق إلا القليل.»

وظلوا سائرين فرأت أنهم تجاوزوا الأرباض، فتصورت أن سعيدا يخدعها فأوقفت بغلتها وقالت: «أرانا خرجنا من حدود قرطبة؟»

قال سعيد: «نحن على مقربة من المكان، لا تخافي.» وبعد قليل أطلوا على الوادي الكبير ثانية حتى صاروا عند الشاطئ، وعرفوا ذلك من لمعان سطح الماء عن بعد وانعكاس أضواء النجوم عليه.

ثم وصلوا إلى بيت منفرد، فترجل سعيد وترجل جوهر وأعان الزهراء على النزول فنزلت، وأخذت قواها تنهار من الخوف، وكادت تعتقد أنها وقعت في الفخ، ولكنها تجلدت وأطاعت سعيدا، والتفتت إلى ما حولها فإذا هي في بساتين قليلة العمارة، وقد ساد السكون في ذلك الليل، فلم يكن يسمع فيه غير خرير ذلك الوادي. ثم ما لبثت أن رأت كلبا كبيرا يخرج من ذلك البيت وأخذ يحوم حول سعيد ويقفز عليه، وهو سلام المعرفة عند الكلاب، فعلمت الزهراء من ذلك أنهم وصلوا إلى المكان المقصود، وصارت تتوقع أن ترى أخاها أو أحدا يأخذها إليه.

ناپیژندل شوی مخ