فلما ذكر أخاها عادت إليها جسارتها وقالت: «نعم أذهب، وسنلتقي بعد العشاء في الموقف الثاني في الطريق بين الزهراء وقرطبة.»
فقال سعيد: «بارك الله فيك، وأنا ذاهب لنلتقي هناك.» وخرج.
الفصل الثامن والستون
الأرباض
وكان حراس باب القصر في ذلك المساء جلوسا، يتحدثون بما علموه من مقتل الأمير عبد الله وابن عبد البر وياسر، ويستغربون وقوعه، وقد أتتهم الأوامر المشددة بالانتباه إلى من يدخل القصر أو يخرج منه، وبينما هم في ذلك، إذ سمعوا قعقعة لجام البريد ثم رأوا البغلة وعليها راكب بثياب صاحب البريد وقد تلثم، وإلى جانبه جوهر على بغلة، فهم الحراس أن يعترضوا طريقهما فقال لهم جوهر: «هذا بريد مولاتنا الزهراء.» ففتحوا لهما الباب، فخرجا.
فلما صارت الزهراء خارج القصر منفردة غلبت عليها الوحشة والتفتت إلى ما حولها، فإذا هي وحدها في صحراء رملية، وكلما بعدت أحست بالظلام؛ لأن أنوار تلك القصور كانت تؤنسها، حتى إذا وصلت إلى الموقف المعهود وقفت، وأدار جوهر بغلته نحوها وسألها عما تحتاج إليه.
فقالت الزهراء: «إلى أين نحن ذاهبان؟ ما هذا؟ كيف خرجت من قصري وأنا فيه كالملكة المتسلطة حتى على الملك نفسه؟!»
فقطع جوهر كلامها قائلا: «لا تزالين يا سيدتي صاحبة السيادة، وفي غد تعودين إلى قصرك ومعك أخوك، وتخلصينا من انقباضاتك وعبساتك.»
وكان جوهر خفيف الروح وهي تأنس إليه، فأعجبها تعبيره، فقالت: «هل ألاقي أخي؟ يا حبذا ذلك!»
قال جوهر: «لا بد من لقائه، وإلا فلماذا خرجت؟»
ناپیژندل شوی مخ