الفرار
أما سعيد فمكث بعد ذهاب عابدة مدة صامتا، يفكر في خطورة الأمر الذي كلفها به، وكيف أنها طاوعته بلا تردد، فلم يبق عليه إلا أن يفر بالزهراء، وأراد أن يقتل الناصر مخافة أن يبعث في طلبه بعد فراره بأحب جواريه إليه، وأن يقتل عابدة ليبقى أمره خفيا.
فذهب إلى الزهراء في غرفتها، فقابله جوهر بالباب فسأله عنها فقال: «إنها ما فتئت منذ علمت بمقتل الأمير عبد الله ورفيقيه وهي منقبضة النفس لا تكلم أحدا.» فعلم سعيد أن سبب اضطرابها أنها قرأت اسم أخيها على لوح الإعلان بإعدام هؤلاء، فقال: «استأذن لي في مشاهدتها.» فأجاب مطيعا، وكانت قد علمت أنه من رجال سعيد، وقد أدخله في بلاط الناصر جاسوسا، فهو يتفانى في خدمته ويحتفظ بسره.
عاد جوهر وأشار إلى سعيد بأن يدخل، فدخل وهو يمشي الهوينى كأنه يفكر في شيء شغل خاطره، فوجد الزهراء جالسة على وسادة وقد أسندت خدها بكفها واستغرقت في التفكير، فلما شعرت بدخوله رفعت رأسها إليه، فتفرست فيه لحظة ثم عادت إلى الإطراق.
فتقدم سعيد نحوها وقال: «هل تحققت من صدقي؟» فلم تجبه.
فقال سعيد: «يا حسناء قولي، هل علمت أني قلت لك الصدق عن أخيك، وأخلصت لك النصح في كيفية إنقاذه؟»
فرفعت بصرها إليه، وقد تلألأ الدمع في عينيها، وبدت مظاهر العتاب والأسف على محياها، وقالت: «آه! ليتك لم تقل شيئا، ولو أنني بقيت جاهلة أمر أخي لكان خيرا لي من أن أرتكب في سبيل إنقاذه خيانة سيدي وولي نعمتي.»
قال سعيد: «أراك تزدادين حبا له؟»
قالت الزهراء: «كيف لا ولم أر منه شرا، بل لم أسمع منه كلمة تسوءني، وقد رفع منزلتي وقدمني على سائر نسائه، وبنى هذه القصور حبا في. كيف لا أحبه؟ بل كيف لا أعبده؟ هذه هي المحبة الخالصة و...» وسكتت كأنها همت أن تقول شيئا وأمسكت نفسها حياء.
ولم يفته أنها كانت تشير إلى محبته غير الخالصة فقال: «تعيرينني بمحبة الناصر يا حسناء؟ لماذا لا يحبك وأنت تتفانين في خدمته؟ وأما القصور فقد بناها لنفسه وحاشيته، وأما المحب الصادق فهو الذي يرى نفورك ويأبى السعادة بعيدا عنك، يرفض الملك ويحترف التنجيم والتعليم للوصول إليك، يعرض حياته للخطر من أجل حبك. هذه هي المحبة الخالصة، وهذا هو المحب الصادق. دعينا من هذا الآن وقولي هل أنت عازمة على إنقاذ أخيك أم لا؟ وقد عرفت اليوم بنفسك مقدار غضب الناصر عليه.»
ناپیژندل شوی مخ