عبد الرحمن الناصر

جرجي زيدان d. 1331 AH
189

عبد الرحمن الناصر

عبد الرحمن الناصر

ژانرونه

فوقع قوله في نفسها وقعا شديدا؛ لأنها تعرف شدة الناصر وبطشه، وازدادت خوفا من ذكر اسم أخيها، ورأت تأجيل طلب العفو إلى فرصة أخرى، وهي لا تعلم إذا كان أخوها يرضى بطلب العفو. فرأت أن تقنعه أولا بالرجوع، ثم تتوسط له في العفو عنه.

وبعد قليل أمر الخليفة بانصرافها، وبعث اللوح لتعليقه بالباب وتوسد يطلب النوم، فتذكر ما دار بينه وبين الزهراء، وتمثلت له صورة ابنه عبد الله عند آخر نظرة، فغلب عليه الحنان وأخذ الندم يتسرب إلى قلبه شيئا فشيئا، وهو يغالبه وينتحل الأسباب التي تسوغ السرعة في القصاص تخلصا من الفتنة، لكنه مع ذلك غلب عليه الأرق وتولاه القلق، فلم يغمض له جفن وهو يتقلب كأنه نائم على الشوك.

ولما طلع النهار أحس بضعف وانقباض، فاستدعى طبيبه سليمان بن تاج، فأتاه مسرعا فشكا إليه حاله، وكان سليمان قد قرأ اللوح المعلق بالباب، فعلم سبب ذلك الانحراف، فوصف له بعض المنعشات أو المبردات في اصطلاحهم، وقال: «لا يخفى على أمير المؤمنين سبب هذا الانحراف، والعلة تزال بضدها، فيستحسن أن يلهو سيدي بما يشغله عن التفكير.»

قال الناصر: «وكيف ذلك؟»

قال سليمان: «تأمر جارية مغنية تغنيك ألحانا مفرحة، فإن من الألحان ما يبعث على الحزن، ومنها ما يبعث على الفرح، وعرفت فيلسوفا من أبناء مهنتنا اخترع ألحانا تضحك، وأخرى تبكي، وألحانا تفرح أو تغضب لغير سبب موجب للضحك أو البكاء أو الفرح أو الغضب، وإنما يحدث ذلك من تأثير الألحان على النفس، وأظن أن ذلك الفيلسوف قد مات الآن، ولست أدرى إذا كان قد علم أحدا هذه الألحان.»

فتذكر الناصر أن عابدة تحسنها فقال: «إن جاريتنا عابدة تعلمت هذه الألحان من معلمها سعيد الوراق.»

فقال ابن تاج: «إن سعيدا هذا من عجائب الدنيا، لا يوجد شيء من العلوم لا يعرفه، حتى الموسيقى، فإذا شاء مولاي أمر جاريته عابدة أن تجالسه فتسقيه هذه المرطبات، وتغنيه على انفراد، فإني أرجو شفاءه عاجلا.»

الفصل السادس والستون

الورقتان

فاستحسن الناصر هذا الرأي، وأشار إليه أن يمضي لتحضير العلاج وإرساله، وبعث أحد الغلمان إلى سعيد فأتى، فقص عليه ما أشار به الطبيب فأظهر موافقته على ذلك العلاج، واستأذن في الذهاب لاستقدامها، وقلبه يكاد يطير من الفرح لسنوح هذه الفرصة ليتم بها غرضه.

ناپیژندل شوی مخ