قال الناصر: «وكيف ترى أنت؟»
قال سعيد: «لا أرى دواء لهذا الأمر غير السيف، وإذا خفت من الحية فاقطع رأسها، وإلا فأنت في خطر منها. إني أرى رأي عبد الملك بن مروان مع سعيد بن الأشدق، وقد سار إليه وصار من أعوانه بعد أن خرج عليه وحاربه، أما عبد الملك فلم ير خيرا من قطع الرأس، فدعا ابن الأشدق إليه وقتله، فأمن الفتنة بعده. تلك سياسة بني أمية في الشام من معاوية فما بعده، وكذلك فعل جدك عبد الرحمن الداخل وغيره من رجال الحزم والدهاء. إذا خفت من جماعة فاقطع رءوسهم، والذي يظهر من تنجيمي أن الأمير عبد الله يوشك أن يجعل نفسه رئيس عصابة، ولكن ...»
قال الناصر: «يظهر أنك تخشى أن يغلب علي الحنان، فأستبقي عبد الله! كلا، ثم كلا، إني سمعت تهديده بأذني، وأما ابن عبد البر الضعيف الساقط فلا بد من قتله؛ لأنه من جملة المحرضين، وأما ياسر فقد تعبت من دسائسه وشكاياته وكأن الزهراء قتلت أباه، فلا ينفك يشكو منها أو يعرض بها، وقد تأكدت اليوم من تحامله عليها. إني قاتل أولئك الثلاثة قبل أن يطلع النهار.»
قال سعيد: «يعجبني سداد رأي أمير المؤمنين. تلك كانت سياسة الدهاة من أسلافك؛ إذا خافوا من رجل قتلوه سرا فيأمنون غوغاء الأحزاب.»
قال الناصر: «اذهب إلى فراشك ونم مطمئنا، وغدا تجد لوحا على باب القصر وقد كتب عليه ما فعلناه.»
فنهض سعيد تأدبا وهو يقول: «نصر الله مولانا على أعدائه وأيده بروح من عنده، ولا شك عندي أن مبادرته إلى القصاص على هذه الصورة توقع الرعب في قلوب أولئك الأغرار الذين يتعرضون لبطشه، وإذا أمر مولانا أن يكتب على اللوح عبارة تهديد يشار بها إلى سائر العصاة، كان فيها رهبة لهم فيأمر أمير المؤمنين أن يكتب على ذلك اللوح: وهذا جزاء الخائنين وسيناله من حذا حذوهم وخصوصا صاحب النقمة.»
قال: «أصبت. بورك فيك.» وتزحزح إشارة للانصراف فخرج سعيد وهو ينظر إلى السماء، وقد رفع يديه يدعو للخليفة بالنصر، وذهب إلى فراشه وهو يخشى أن يعدل عن قتل أولئك الثلاثة قبل أن يبوح واحد منهم بأمره.
وأصبح أهل القصر في الصباح التالي، فرأوا على بابه الكبير لوحا قد كتب عليه ما معناه: «قد أنفذ حكم الشريعة الغراء بالقتل على الأمير عبد الله ابن أمير المؤمنين، ومحمد بن عبد البر الفقيه، وياسر الفتى رئيس خصيان القصر؛ قصاصا على خيانتهم وخروجهم على أمير المؤمنين حامي حمى المسلمين ومؤيد الدين وعلى ولي عهده. قتلوا خشية الفتنة، وهذا جزاء الخائنين. ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب، فليعتبر بهم كل من سولت له نفسه الأمارة بالسوء أن ينبذ الطاعة ويخرج عن الجماعة، وأولهم ذلك الخائن صاحب النقمة.»
لم يطمئن سعيد حتى قرأ اللوح وتحقق من نجاته من الفضيحة.
الفصل الخامس والستون
ناپیژندل شوی مخ