عبد الرحمن الكواكبي
عبد الرحمن الكواكبي
ژانرونه
وقال الأستاذ جورجي زيدان في كتابه عن مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر عن رحلته: «ومما يذكر له ونأسف لضياع ثماره أنه رحل رحلة لم يسبقه أحد إليها، ويندر أن يستطيعها أحد غيره؛ وذلك أنه أوغل في أواسط جزيرة العرب، فأقام على متون الجمال نيفا وثلاثين يوما، فقطع صحراء الدهناء في اليمن، ولا ندري ما استطلعه من الآثار التاريخية أو الفوائد الاجتماعية، فعسى أن يكون ذلك محفوظا في جملة متخلفاته. وتحول في هذه الرحلة إلى الهند فشرقي أفريقيا أيضا، وكان أجله ينتظره فيها.»
والمؤرخ الحلبي الأستاذ الغزي، وهو صديق الكواكبي، يذكر هذه الرحلات فيما كتبه بمجلة الحديث، ويشير إلى إشاعة القائلين إن الخديو عباسا استدعاه ليقوم بالدعاية لخلافة مصرية، وليسعى لدى الشيوخ وعربان الإمارات في ذلك، ويروى أنه جاءه كتاب من قنصل إيطاليا في حديدة باليمن - وهو من أسرة الصولا بحلب يسمى فرديناند ميخائيل - فذكر فيه أنه اجتمع بالسيد عبد الرحمن الكواكبي أثناء هذا الطواف.
1
ولا تنفصل هذه الإشاعة عن إشاعة أخرى فحواها أن الدولة الإيطالية يسرت له الرحلة؛ لأنها كانت تطمع في نجاح المسعى إلى خلع الخلافة التركية منذ توجهت محاولاتها الاستعمارية إلى شواطئ البحر، لعلها تستفيد من مصادقة الخلافة العربية المنتظرة بعد إقامتها على مقربة من مناطق نفوذها.
ولا بد لكل ملتفت إلى هذه الإشاعة أو تلك من تفسير التناقض بين العمل للخديو عباس والعمل للإمامة العربية القرشية، فإن عباسا لا يبذل المال لمن يسعى في إحباط مسعاه وإيثار سواه عليه، ولا مصلحة للدولة الإيطالية في إقامة الخلافة بأرض يحتلها الإنجليز ويسيطرون بها على شواطئ البحر الأحمر من شمالها إلى جنوبها، وليس ارتباط الأسرتين المالكتين في إيطاليا ومصر كافيا لحمل الدولة الإيطالية على اتباع هذه السياسة، فلا بد إذن من التفسير القاطع للظنون بين قولين لا يتفقان، وإن اتفقا في شيء واحد؛ وهو حرب الخلافة العثمانية. •••
أما اتصال الكواكبي بالخديو عباس فيكفي في تفسيره أن الكواكبي قد وصل إلى القاهرة خلال أزمة من الأزمات المستحكمة بين «عابدين» و«يلدز» وبين «عابدين» و«نقابة الأشراف» التي كان «أبو الهدى الصيادي» يتولاها في عاصمة الخلافة، فلا غرابة في اتحاد الخطة بين الخديو وبين صاحب طبائع الاستبداد في تلك الفترة، ولا في التحالف بينهما على اتقاء الشر من دسائس «يلدز» ودسائس «نقابة الأشراف» في آونة واحدة.
وكانت هذه الفترة من سنة 1898 إلى سنة 1902 أصلح الأوقات لانتفاع الكواكبي في مساعيه بزيارة القاهرة، فإنه استطاع أن ينشر مقالاته في «المؤيد» صحيفة الخديو الشبيهة بالرسمية، ولولا ذلك لاضطر إلى الكتابة في الصحف المتهمة بخدمة الاستعمار تعصبا منها للدول الأوروبية على دولة الخلافة، ولم يسلك هذا الطريق داع من دعاة الإصلاح في العالم الإسلامي إلا تعثرت به السبل من خطواته الأولى.
ومضت هذه السنوات والخديو عباس يقاطع الآستانة ويأبى أن يقصد إليها في رحلة الصيف قبل أن يفلح رسله إليها في تسوية المشاكل المنغلقة بين يلدز وعابدين، ومنها مشكلة قاضي مصر من قبل الآستانة، ومشكلة جزيرة «طشيوز» التي استردها السلطان من الأسرة الخديوية، ومشكلة الصحافة التي تحمل على الدولة ويصرح المسئولون في القصر السلطاني بانتمائها إلى الخديو، أو بأن الخديو على الأقل يقصر في استخدام نفوذه لإسكاتها، وقد غضب الخديو غضبا شديدا يوم علم أن حاشية السلطان اتصلت بالسفارة الإنجليزية تسألها أن تتوسط عند الوكالة البريطانية في القاهرة لكف الحملة على السلطان في صحافتها العربية والأجنبية، وقد سافر أحمد شفيق باشا إلى الآستانة في صحبة الوالدة؛ للاحتجاج على ذلك وعلى غيره من مسائل الخلاف بين الأمير التابع والسلطان المتبوع.
قال شفيق باشا في مذكراته - أول مايو سنة 1899 - إنه أثار هذه المسألة في حديثه مع باشكاتب المابين، وأبلغه أن الخديو يشعر بالإغضاء عنه «في عدة مواقف آخرها أن المابين قصد إلى الحكومة الإنجليزية ليشكو إليها عدوان صحيفة من هذه الصحف تصدر في مصر كأن الخديو وكيل للسلطان الشرعي غير موجود».
وشاعت أخبار هذه المشاكل في الدوائر السياسية بالآستانة، فاستطلع السفراء أسرارها وتحدث غير واحد منهم إلى شفيق باشا عن حقيقتها، ولا سيما سفراء الدول التي كانت تقاوم الاحتلال البريطاني، ومنها يومئذ فرنسا وألمانيا وروسيا، قال شفيق باشا: «وفي اليوم التالي زرت سفير فرنسا فسألني عن سفر سمو الخديو للآستانة، فأشرت إليه بأنه قد لا يأتي في هذا العام نظرا لأشياء لا تشجع سموه على الزيارة، ولما سألني عنها بإلحاح أخبرته موجزا بمسألة الصحف فقال لي في النهاية: إن كل شيء يزول عند وجود سموه بالآستانة، ثم قال: إنني سأنتهز كل فرصة وأعرف السلطان بالحقيقة وأكرر عليه ما سبق أن قلته، وهو أن من صالحه أن يجعل الخديو راضيا؛ لأن سموه لو خلع الطاعة لأوقع الخليفة في ارتباك عظيم.»
ناپیژندل شوی مخ